أكثر من عشرة أيام والدكتور كمال الجنزورى حائر فى تشكيل حكومة الإنقاذ الوطنى، قابل العشرات فى مقره المفضل بمعهد التخطيط، وسرب العديد من الأسماء المرشحة للاستوزار، وحرق بعضها فى طريق جس نبض الرأى العام المتقلب، وفى سياق رعب المسؤولين من الشارع، كأن على رؤوسهم «بطحة»، وأيديهم مغلولة بالشلل الرعاش.
أكثر من عشرة أيام والدكتور الجنزورى يؤكد على طريقة عبدالفتاح القصرى فى فيلم «ابن حميدو» أنه لن يحلف اليمين أمام المشير طنطاوى، قبل تعديل البند العاشر من المادتين 56 و57 من الإعلان الدستورى، ليحصل على صلاحيات رئيس الجمهورية كاملة، فى غير اختصاصات القضاء والجيش، بينما البدايات تشير إلى أنه مثل سلفه عصام شرف يتلقى التعليمات، ويرى أن واجبه الأساسى الرد بكلمة «عُلم وسينفذ يا أفندم»، ورأينا كيف قطع اللواءان محسن الفنجرى وإسماعيل عتمان المشاوير جيئة وذهابا باتجاه معهد التخطيط، حاملين ترشيحات واختيارات وتوجيهات، وعلامات «صح» و«غلط» بالقلم الأحمر، وبعد كل ذلك يأتى الدكتور الجنزورى ويعلن أن كلمته مش ممكن تنزل الأرض أبدا!
يتصور رئيس الحكومة المكلف أن تشكيل الحكومة هو كل المراد من رب العباد، بينما المفترض أنه أول من يعلم أن تشكيل الحكومة بداية مهمة جسيمة عليه أن يتصدى لها بالخطط والحلول غير التقليدية، وبالكفاءات التى تستطيع الابتكار والإبداع فى إدارة الأزمات، لكن الظاهر لنا حتى الآن أن الجنزورى غرق فى شبر من التفاصيل الصغيرة التى ما كان لرجل فى مثل خبرته وحنكته أن يقع فيها أصلا، إلا إذا كان مأمورا وخاضعا.
مثلا، لماذا استغرقت أزمة الإبقاء على وزير الإعلام أسامة هيكل فى التشكيل المقترح أو رحيله كل هذا الوقت؟
يعلم أى سياسى مبتدئ أن عليه الابتعاد عن الكروت المحروقة، والوجوه المكروهة شعبيا، فلماذا قبل الجنزورى أن يدخل نفسه فى الجدل الدائر حول هيكل، إذا لم يكن خاضعا لرغبات المجلس العسكرى، المجلس يريد هيكل، فماذا يريد الجنزورى؟، وكيف يفكر وهو أستاذ التخطيط؟، إما أنه لم يدرك كارثة الانصياع لـ«العسكرى» فى قرار كهذا، أو أنه لم يحسب بدقة أبعاد الإبقاء على هيكل فى حكومة إنقاذ لفترة محدودة، وقس على ذلك الإعلان عن اختيار القناوى، المقرب من حبيب العادلى وزيرا للداخلية، قبل أن يتم استبعاده، ثم فرض السرية على المرشحين للداخلية، كأننا بصدد سر حربى.
هذه المؤشرات تكشف كيف سيدير الجنزورى الأمور فى المرحلة الحرجة المقبلة، الأمر الذى يجعلنا نضع أيدينا على قلوبنا.. بالله عليك يا دكتور، على الأقل اعترف أنك رئيس وزراء تنفيذى بدل أن تعايرنا كل يوم بصلاحيات «رئيس الجمهورية إلا ربع» التى تتشدق بها!