عندما تقرر إجراء انتخابات مجلس الشعب «28 نوفمبر الماضى» وتأكيد المسؤولين على نزاهتها، تفاءل المصريون خيرًا خاصة وأن التصويت لن يكون وفق جداول الناخبين القديمة سيئة السمعة، وإنما سيكون وفقًا للرقم القومى.
ولكن وفى اليوم الأول للتصويت لاحظ المراقبون وجود بطاقات انتخاب «على بياض» ملقاة فى الشارع فى بعض الدوائر، وشاهد البعض دخول ناخب ومعه هذه البطاقة مؤشرًا عليها بعلامات الاختيار، فتأكد تزوير إرادة الناخبين، خاصة إذا علمنا أن حامل البطاقة الجاهزة عند خروجه ببطاقة اللجنة دون علامات يحصل على «المعلوم»، أى حفنة من المال، نقدًا أو عينًا، وهذا ما كان سائدًا فى الانتخابات السابقة التى كان آخرها انتخابات نوفمبر عام 2010، لكن المثير أن الانتخابات منذ بدأت فى مصر فى يوليه 1913 للجمعية التشريعية رافقها التزوير بأشكال مختلفة حسب مقتضى الحال، إذ يذكر عبدالرحمن الرافعى، المحامى ومؤرخ الحركة الوطنية المصرية، أن الناخب كان يدخل اللجنة ويقول للموظف الجالس أمام المكتب إنه يريد انتخاب فلان فيقوم الموظف بالتأشير على الاسم فى الكشف الذى أمامه دون أن يرى الناخب ما إذا كان قد وضع العلامة أمام الاسم الذى ذكره أم لا، وكل الانتخابات التى جرت بعد ذلك فى ضوء دستور 1923 كانت مزيفة بدرجة أو بأخرى، ويذكر المعاصرون أن إسماعيل صدقى كان أول من قام بالتزوير المنهجى فى انتخابات عام 1930، وكان رئيس الحكومة واستمرار التزوير والتجاوزات حتى هذه الانتخابات الأخيرة يؤكد المثل القائل «يموت الزمار وصوابعه بتلعب».
ومما زاد فى عدم التفاؤل بهذه الجولة الانتخابية حملات الدعاية الانتخابية التى سيطرت عليها جماعات التيار الإسلامى، إذ عمل هؤلاء على تزييف إرادة الناخبين عندما لعبوا على المشاعر الدينية وإشاعتهم أن انتخاب أعضاء الجماعات يعنى نصرة الإسلام، مع أن هؤلاء الناس لا يملكون أية أفكار لإنقاذ مصر من كبوتها الاقتصادية وتداعياتها الاجتماعية بفضل سياسة الانفتاح التى بدأها السادات فى منتصف سبعينيات القرن الماضى واستكملها مبارك، ذلك أنهم لا يختلفون عن الحزب الوطنى الديمقراطى المنحل أو حزب الوفد لسبب بسيط وجوهرى، وهو أنهم رجال أعمال ولهم مشروعات اقتصادية واسعة، ولا يهتمون إلا بالربح والجرى وراء المال حيثما يكون، ولا يشعرون بمسؤولية اجتماعية تجاه الفقراء والضعفاء إلا من باب البر والإحسان بشكل فردى واختيارى، وليس على أساس سياسة دولة مسؤولة وكل ما لديهم من برنامج يختلف عن سائر القوى الأخرى برنامج أخلاقى يتمثل فى إقامة الحدود، والتزام المرأة بالحجاب، واعتبار الأقباط أهل ذمة وليسوا مواطنين، وآية ذلك أن الإخوان المسلمين فى انتخابات عام 2005 كان عددهم 88 عضوًا لكنهم لم يقدموا شيئًا مختلفًا عن سياسة حكومة الحزب الوطنى الحاكم آنذاك بل كانوا متفقون معه قلبًا وقالبًا، وكل ما هنالك أنهم تمكنوا من حماية مصالحهم بعضوية المجلس شأن أى طبقة تحكم مثلما كانت طبقة رأس المال فى مصر تسيطر على البرلمان قبل 1952، والمفارقة هنا: أننا نطالب بالحرية دون أن نتحرر من الموروث الثقافى، بل إننا نضع الماضى أمامنا وليس وراءنا.
والمثير فى كل هذا وذاك أنه إذا حاز الإسلاميون أغلبية برلمانية وفكروا فى تنفيذ ما كانوا يرددونه فى خطابهم الانتخابى من حيث صياغة القوانين على مقتضى الشريعة الإسلامية، فهذا يعنى أن مصر قد تواجه حربًا أهلية، إلا إذا تدارك الناخبون الأمر فى المرحلتين القادمتين من جولة الانتخابات، وفى النهاية سوف يتحمل الناخبون عاقبة تزييف وعيهم وإرادتهم على نحو ما حدث.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
سليمان فياض
رؤية نافذة
عدد الردود 0
بواسطة:
كاتب
لاؤية مضللة!
عدد الردود 0
بواسطة:
علي عبد الحليم
الله خــــــــــــــــــــــــــيـر حـــــافــــظ وهـــو أرحـــم الراحمين