اعتدت مثل أبناء جيلى والأجيال السابقة على أن أحتكر الحس الوطنى وحب مصر ظناً منى ومؤكداً أننى أكثر أبناء مصر حبا لها وخوفا عليها, بل إننا تمادينا فى احتكار حب الوطن حتى شككنا فى أن حب الآخرين إنما هو محض زيف.. بل ووصل بنا الأمر إلى التسفيه من الأجيال التالية علينا والتشكيك فى انتمائهم لهذا الوطن, وأعترف هنا أننى لم أكن أتوقع أو أصدق فى جدوى مظاهرات 25 يناير بل وقلت بالحرف الواحد "عيال صغيرين فاكرين إنهم هيعملو حاجة.. لكن كويس خليهم يتحركوا ويعملوا حاجة بدل البلاى ستيشن" حتى أفقنا جميعا فى يوم الجمعة 28 يناير على ملايين الشباب والوطنين المصريين يقفون كتفا بكتف فى وجه النظام المستبد والرئيس المخلوع مطالبين بإسقاط النظام، ومنادين بالتغيير والحرية والعدالة الاجتماعية، وكان الجميع جسدا واحدا متلاحما أمام رصاص الأمن وقنابله, مستمرين فى الهتاف والاحتجاج السلمى وسقط الشهداء والجرحى لتختلط دماؤهم بأديم الأرض مسجلين خلال 17 يوما ملحمة من النضال الوطنى سيتذكرها تاريخ الأمم كأشرف ما يكون، بل وستسجل: أول ثورة إلكترونية فى التاريخ الإنسانى، بل وأقصر الثورات التى أسقطت حكاما وأنظمة وأكثرها نصاعة وسلمية، والأهم أن من قام بها هم من وصفتهم أنا بلاعبى البلاى ستيشن تسفيها وجهلا بما يدور فى عقولهم العبقرية.
بخلاف قدرة الثورة على إسقاط النظام ولى ذراع المفسدين, أرى أن أهم مكتسبات ثورة 25 يناير هى تفجر الوعى المصرى، وخاصة لدى الكتل التى كانت توصف بالخاملة من أبناء الطبقة المتوسطة ومشاركتهم فى الاحتجاج ومطالبات الحرية والعدالة، حتى أننا رأينا فئات لم تعتد الخروج عن السياق الذى فرض عليها واعتادته كموظفى بنك الإسكندرية الذين يطالبون بإسقاط رئيس مجلس إدارتهم محمود عبد اللطيف لفساده - على حد زعمهم - وجدير بالذكر أنه صديق لجمال مبارك وعضو بارز بالحزب الوطنى كما يتردد أنه العامل المشترك الأعظم فى صفقات بيع البنوك المصرية لمؤسسات خليجية وأجنبية، كما اعتصم أيضا موظفو البنك الوطنى للتنمية احتجاجا على المرتبات، وما سموه بصفقة البيع المشبوهة لبنك أبو ظبى الوطنى.
من ناحية أخرى دخل شباب 25 يناير بمختلف أطيافهم السياسية فى مرحلة نضج سياسى مبكر ظهر بجلاء فى عدم تقبلهم الخطاب الثانى والثالث للرئيس المخلوع، وإصرارهم على استمرار الثورة حتى تتحقق مطالب الثورة السبعة الأساسية. كما تجلى هذا الوعى السياسى فى اكتشافهم لمحاولات اختطاف الثورة منهم من قبل رموز المعارضة، والتى وصفوها بالكرتونية، بل وأكدوا عل رفضهم للحديث أو المفاوضة باسمهم من قبل التكتلات الحزبية.
ثم كان تكشف الوجوه الحقيقية لأصحابها على الأصعدة المختلفة فى التلفزيون والصحافة والفن.. فعرف الجميع من هم المستفيدون من وجود النظام الفاسد، وبذلوا جهدهم الأقصى للدفاع عن أركانه ومحاولة استمراره فى محاولة منهم لإخفاء ما اقترفوه، وشاركوا فيه من فساد متعمد.. بل ومحاولة أغلبهم للنيل من نزاهة الثورة وشرف أبنائها, ثم كان منهم من حاول ركوب موجة الثورة عندما ظهرت بوادر النجاح فخاب ظنهم الذى عكسه غباء مهنى واضح.. إلا أن ثوار 25 يناير لم يكنوا بهذه السذاجة ولم يصابوا بالزهايمر.
أخيراً هو عودة إحساس المواطن المصرى بذاته وقدرته على التغيير والفعل والقيام بالمبادرة، وهو الأمر الذى انعكس على إحساس الآخرين به فى خارج مصر، وخاصة فى دول الخليج الشقيقة، والتى طالما عانى فيها المواطن المصرى من محاولات امتهان كرامة المصريين.. من كل ما سبق خرج الحس الوطنى المصرى بأروع هتافات الثورة.
"ارفع رأسك فوق.. انت مصرى"
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة