بعد سنوات قليلة من رحيل جمال عبد الناصر فى سبعينيات القرن الماضى، خرج صحفيون ومسئولون يتحدثون عما سموه بسنوات الوهم، وتم ذلك فى إطار حملة منظمة ضد جمال عبد الناصر ومشروعه، وقاد هذه الحملة بعض من كانوا فى صف عبد الناصر وقت أن كان فى السلطة، وباركوا كل خطواته، ولهذا السبب فقد هؤلاء مصداقيتهم، لأنهم معاول هدم وليس أدوات بناء، وأثبتت الأيام أنهم رجال السلطان فى كل زمان ومكان، من عبد الناصر إلى السادات ثم مبارك.
كبر هؤلاء فى مدرسة النفاق السياسى، وأدخلوا فيها تلاميذ جدد، ولم يختلف شعار هذه المدرسة من اشتراكية جمال عبد الناصر إلى انفتاح السادات ثم خصخصة مبارك، وتبارى عمداء وتلاميذ هذه المدرسة فى التحدث عن حكمة الرئيس ومعجزاته التى لا يأتى بها غيره، وأن الرئيس أى رئيس هو استثناء بشرى من ضمن خلق الله، ولهذا لا يجب أن يخضع للمساءلة فى أى شىء يفعله.
عمداء وتلاميذ مدرسة النفاق السياسى لا يتعلمون أبداً، ويراهنون على نسيان الجماهير، ويذرفون الدموع وهم يقولون إنهم كانوا لا يعرفون الحقائق، وحين عرفوا تابوا إلى الله ولن يقولوا إلا الحق، ثم يعودوا إلى سيرتهم الأصلية التى يبدون فيها أنهم على استعداد لسلخ بطون أمهاتهم الحوامل من أجل رضا السلطان عليهم.
ومنذ انفجار ثورة 25 يناير، لم يصدق هؤلاء فى البداية أن الثورة ستنجح، ولهذا ظلوا على نفاقهم لولى نعمتهم، وبعد نجاح الثورة انقلبوا تماما، وتحدثوا عن الوهم الكبير الذى كانوا يعيشون فيه، وعن الفاسدين الذين يتساقطون كل يوم، بعد أن كانوا يتحدثون عن هؤلاء الفاسدين بوصفهم بناة مصر الكبار.
ظهر رؤساء تحرير الصحف الرسمية فى انقلابهم وكأنهم المبشرون بالثورة، كتب محمد على إبراهيم رئيس تحرير الجمهورية عن الوهم الكبير الذى كنا نعيش فيه، بعد أن ظل يكتب عن شخص مبارك الاستثنائى ونظامه الديمقراطى، وبلغ به حد هجومه على كاتب بوزن وقيمة محمد حسنين هيكل كلما كان ينتقد نظام مبارك، إلى القول بأنه يفتخر بعدم قراءته أى كتاب لهيكل.
واصل رؤساء تحرير الصحف الرسمية المضى قدما فى مدرسة النفاق السياسى بنفس الأدوات القديمة، واصلوا نفاقهم ظنا منهم أن الشعب المصرى بلا ذاكرة، وأن ما حدث فى ثورة 25 يناير، ليس كما حدث من قبل، وأغفلوا أن ألف باء الثورة هو "نسف الحمام القديم" وكل هؤلاء حتما من "الحمام القديم".
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة