سيحكى كل واحد فينا عنهم لأولاده، سيقول أحدكم إنه كان بجواره قبل أن يسقط على الأرض مفارقاً الحياة وتصعد روحه شهيدة لخالقها، وسيقول الآخر إنه حمله مصاباً فى محاولة يائسة لإسعافه، وسيحكى أحدكم عن شهيد منهم ابتسم فى وجهه قبل أن تفاجئه رصاصة الداخلية الخائنة، أو شومة بلطجى بالإيجار، وسيقول آخر بفخر إن شهيداً منهم كان يسير بجواره لحظة الانطلاق فى 25 يناير، أو أنهما شكلا معاً درعاً لحماية المتحف المصرى من هجمات اللصوص، أو أمسكا معاً ببلطجى من جيش رجال أعمال الحزب الوطنى فى موقعة الجمل، وربما سيحتفظ أحدكم بقميصه الغارق فى دم شهيد منهم كذكرى لا يريد لها الزوال أبداً..
سنحكى ونحكى ونتذكرهم ونبكى وسنحتفظ بكل شهيد سالت دماؤه على أرض ميدان التحرير والسويس والإسكندرية برصاص الداخلية أو بلطجية الداخلية خلال أيام ثورة 25 يناير، سنضع صورهم على الجدران ونخبر أطفالنا عن هؤلاء الأبطال الذين قاتلوا من أجل الحرية، سنحتفظ بقصاصات الصحف التى تسابقت على نشر صورهم ونعود إليها كلما شعرنا بالإحباط، أو كلما أردنا الشعور بأن لهذا الوطن أبناء أخلص وأشرف وأطهر وأنقى مما يتخيل المتخيلون.
سأتذكر ليلة التنحى واعتذار الرئيس المخلوع المتأخر والركيك لأهالى وأسر هؤلاء الشهداء، وأشعر بالغضب لأننا لم نسارع بخلعه قبل ذلك بسنوات وسنوات، سأتذكر كيف تبدل الإحساس فى ميدان التحرير حينما ظهرت الصور الأولى لبعض الشهداء، سأتذكر تلك اللحظة وأبكى كما ستبكى أنت وكما سيبكى كل مصرى ساعده حظه وتواجد فى ميدان التحرير خلال تلك اللحظات.
سيرتعش قلبك وتنتفض روحك وربما تنفتح حنفية عيونك حينما تطل على ذاكرتك تلك التحية العسكرية التى أداها اللواء محسن الفنجرى وهو يتلو بيان المجلس العسكرى الثالث الذى تضمن عرفانا وتقديراً من رجال القوات المسلحة لشهداء ثورة الشباب، كان الرجل صادقاً وحازماً وعطوفا ورقيقا فى نفس الوقت وهو يضغط بقدمه على الأرض ويرفع يده بجوار رأسه مؤديا تحية عسكرية مؤثرة قطع بها جملته التالية عن الشهداء: (وفى هذا الصدد فإن المجلس الأعلى للقوات المسلحة يتوجه بكل التحية والإعزاز لأرواح الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم فداء لحرية وأمن بلدهم ولكل أفراد شعبنا العظيم).
قطع رجل القوات المسلحة جملته عن الشهداء بتلك التحية العسكرية وكأنه يقول لنا إن هناك فى مصر رجالاً يقدرون الشجعان الذين قدموا أرواحهم فداء للوطن، رجالاً يختلفون تماماً عن رجال الرئيس مبارك بل عن الرئيس نفسه الذى تأخر كثيراً فى تقديم واجب العزاء، وحينما فعلها جاءت منه على استحياء وبدون دمعة ندم واحدة.
فتش فى البيوت المصرية ولن تجد مواطناً واحدا نجح فى السيطرة على مشاعره، أو على عيونه التى غمرتها الدموع، حينما ظهر صوت قدم اللواء الفنجرى وهو يؤدى التحية العسكرية لأرواح شهداء ثورة يناير محمد بكير ومحمد حسين وسيف الله مصطفى وأحمد بسيونى ومحمد محروس وأحمد إيهاب وكريم بنونة وحسين طه ومصطفى بسيونى وإسلام وحسين طه وغيرهم ممن تكتمل بهم قائمة الشهداء الطويلة التى تضم حتى الآن حوالى 300 شهيد قدموا أرواحهم هدية من أجلك ومن أجلى ومن أجل أولادك وأولادى ومن أجل مصر، لا تعرف صور مبارك التى تملأ الميادين، أو نفاق رؤساء تحرير صحف الحكومة، أو وزراء المال والسلطة ولصوص والأراضى.