بنود من دستور ميدان التحرير صنعت «مصر التى فى خاطرى»

الخميس، 17 فبراير 2011 07:42 م
بنود من دستور ميدان التحرير صنعت «مصر التى فى خاطرى»
وائل السمرى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
◄◄ الرئيس الأمريكى وصف ثورتنا «بالملهمة» بينما نحن كنا نهتف: «الشباب السيس وقّعوا الرئيس»
«العيال كبرت» وأصبحوا شبابا، والشباب نضجوا وصنعوا ثورة، ثورة فى كل شوارع مصر، ثورة لم يقدر أحد على ترويضها ولا إسكاتها ولا تحجيمها، كانت هادرة كالشلال، وعفوية كالضحكة، وجبارة كالمسلات الفرعونية الأبية، نتنسم ريحها فى كل شباب مصر، شباب بطعم الحلم، ونكهة الأمل وروعة النيل، وانسيابية البسمة، جاءوا من كل فج عميق ليعلنوا عن مصرهم المشتهاة، كنا نسمع عن مصر، ويقولون لنا إنها عظيمة، وإنها صاحبة حضارة، وإنها أم الدنيا، فننفعل بهذا الكلام قليلا، وسرعان ما نكتشف إنه «كلام»، وفى الحقيقة لم يكن هذا «الكلام» يدخل إلى قلوبنا ويقر ويطمئن لأكثر من دقائق معدودات، وبمجرد ما أن نرى القمامة فى الشوارع، والقتل عينى عينك، والعشوائية فى النفوس، والأمراض فى الأبدان، والفساد فى المؤسسات، والقهر فى كل مكان، حتى نكتشف زيف هذه الادعاءات، وعدم تطابقها مع الواقع.

ما حدث فى ميدان التحرير على مدى 18 يوما كان أشبه بالحلم، فتية آمنوا بوطنهم فزادهم الله حبا وعلما وثقافة وسماحة، كانوا يرددون كلمات بسيطة تحمل أخلاقيات متفقا عليها، لكننا لم نكن لننفذها لعدم إيماننا بمن يرددونها، لكن مع بساطة كلماتهم وعمق تصديقهم لما يفعلونه أصبح التحرير مدينتنا الفاضلة، نختنق فى كل مكان، وما أن نصل إلى ميدان التحرير حتى ننتعش، مهددين بالعدوان فى أية لحظة لكننا لم نكن خائفين، نكذب على أهالينا الخائفين من هجمات البلطجية وشراسة العصف الأمنى ونقول لهم إننا فى أشغالنا أو مع أصدقائنا، أو فى الطريق إلى المنزل لكن حظر التجول منعنا من الوصول، فقررنا المبيت عند أحد معارفنا القريبين من أماكن عملنا، أهالينا الخائفون لم يكونوا ليقتنعوا بإمكانية التغيير، فنعذرهم، معلش بكرة هيقتنعوا، وكنا نجد فى أصدقائنا فى الميدان عوضا عن الأهل والأصحاب والصاحبات والدنيا وما فيها، كل ما فى الميدان ملك لنا، أن اشتد علينا البرد فلا حرج أن تقترب من أحد المعتصمين لتتقاسم معه كوفيرتة أو تشاركه فى الغطاء، ما جعلنا فى آخر أيام الاعتصام نشعر بحنين بالغ لهذه الأيام الجميلة، ونهتف مودعين بعضنا بعضا هتوحشونا هتوحشونا.

مصر التى حلمنا بها أوجدناها فى التحرير، لم نجلس لنتفق على ميثاق شرف لتصرفاتنا وأخلاقنا فى الميدان، لكننا كنا متفاهمين متحابين، يجمعنا حب مصر، وتجمعنا أخلاقيات إن تم تعميمها فى كل أرجاء مصر فمنذ الجائز أن تصبح كل مصر «تحرير».
> ابتسم أنت فى مصر
فى أحلك اللحظات وأشدها وطأة كنا نبتسم باطمئنان، كنا نغبط الشهداء على استشهادهم، ونقول إن لم تتفتح الزهور الآن فلن تتفتح أبدا، كنا نبتسم، وننكت ونتداول القفشات، كانت ابتساماتنا دليلا على الاستهانة بمعوقات الثورة ومحاولات إجهاضها، ولم تكن دليل استهتار أو تخاذل كالسابق، الابتسامات هى هى، لكن الدافع وراءها كان مختلفا، حتى عندما تعرضنا لحرب شائعات سخيفة، ومع تصديق البعض لكذبة أننا نحصل على مائتى يورو وثلاث وجبات كنتاكى، كنا نسخر ونستهزئ بمطلقى هذه الشائعات، ونهتف: «أنا مندس أنا مندس أنا باكل كنتاكى وبس».
> قل «أنا آسف» قبل أن يقول لك أحد «إنت غلطان»
بعد أن عاش الميدان فى حالة سلم وأمن وأمان وتحول إلى مهرجان للحرية والمحبة طوال الأيام الثلاثة التى أعقبت «جمعة الغضب» بدأت التحصينات الأمنية فى التواجد خشية هجوم أزلام الحزب الوطنى من البلطجية، لكن الجدير بالملاحظة هنا دماثة خلق الشباب الذين كانوا يفتشون الداخلين إلى الميدان، ويستعلمون عن هويته، فقبل الاقتراب من الدخول إلى البوابة كنا نجد شابا يقول أبرز تحقيق الهوية من فضلك، ونمر من كوردون يستطلع هوياتنا وآخر يفتشنا، وفى كل مرة نقابل فيها شابا من شباب الحراسة يقول لنا «أنا آسف على التفتيش أعذرنى» فنتقبل منه أى شىء يفعله، لأننا نعرف أنه يفعل هذا من أجل أماننا وسلامتنا، وهذا السلوك الراقى هو ما نال إعجاب الصحفيين والمراقبين الأجانب الذين كانوا يزورون الميدان، لكن الأهم من محاسن أخلاق «حراس الثورة» هو تجاوب المعتصمين فى الميدان مع احتياطات السلامة والأمن، وهذا يدل على أن الاحترام هو أرقى بديل عن الخوف، وهذا ما نرجوه من قوات الشرطة فى المستقبل القريب، ونأمل أن يعرفوا أنهم إذا تعاملوا مع المواطنين باحترام فسنبادلهم بنفس الأسلوب.
> حرّص ولا تخوّن
لم يكن بيننا خائن ولا عميل ولا مأجور ولا مرتزق، معظمنا أتى إلى التحرير من أجل اسم واحد حاولنا أن نرفعه عاليا، هذا الاسم هو مصر، حتى حينما اشتدت الشائعات وحاول البعض غرس بذور التخوين فيما بيننا كانت تنطلق الصيحات «إيد واحدة.. إيد واحدة»، لكل فرد حرية الاعتقاد، ولكل فرد حرية التعبير عما يدور بداخله، لا يضير السلفى أن يهتف فى مظاهرة تقودها امرأة، ولا يضير الإخوانى أن يرقص فرحا بانتصار تحقق، ولا مانع من أن يتناوب المسيحيون مع المسلمين على حراسة البوابات والمتحف المصرى أثناء الصلاة، فى التحرير كنا جسدا واحدا بأعضاء مختلفة، نتكامل فيما بيننا ونوحد تحت اسم مصر.
> آسف يا مصر اتأخرت عليكى كتير
فى أيام الاعتصام كانت كل الهتافات واللافتات المرفوعة تدعو إلى إسقاط الرئيس والقضاء على الفساد، ومع تطور الحس الوطنى أخذ النضال أشكالا أخرى أكثر حضارية وإيجابية، فأصبحنا نرى هتافات تدعو إلى تدعيم الجانب الإيجابى فى الشخصية المصرية لاستغلال هذه الروح الشبابية الهادرة وقدرتها الفذة على صنع المستحيل، وكان من أكثر اللافتات تجسيدا لهذه المعانى تلك التى تقول «مش هكون أنانى مش هدفع رشوة تانى هكون إيجابى وابدأ بنفسى، أنا أسف يا مصر أتأخرت عليكى كتير»، ثم تطور الأمر ليصبح قسما يتداوله أبناء 25 يناير ويكتبونه على صفحاتهم فى الفيس بوك هذا القسم يقول: «أقسم بالله العظيم.. أن التزم بما لى وما على تجاه هذا الوطن، وأن أقوم بعملى بكل إخلاص، وعلى أكمل وجه من أجل رخاء هذا البلد وتقدمه، وألا أسكت على أى حادثة فساد، وأن أسعى لكشف كل ما هو فاسد أمامى، وأن أضحى بكل ما هو غالٍ من أجل تراب مصرنا العظيمة، وأن أقوم بالارتقاء بأخلاقى للأفضل من أجل مجتمع طاهر وأفضل».
> الفكرة أشد من القتل
ثوار 25 يناير شباب عاديون، تراهم فى الكافيهات، والأتوبيسات والسيارات والميكروباصات، هم أبناؤك أو إخوتك أو أقاربك أو جيرانك، قد تكون أحدهم أو قد تكون على معرفة وثيقة بأحد منهم، وقد تكون سخرت منهم فى يوم من الأيام، أو تشاجرت مع أحدهم واتهمته بأنه «عيل سيس» يرتدى بنطلون «بوسط ساقط» لكن هؤلاء العيال صنعوا المعجزة وأزاحوا بنظام حكم ديكتاتورى عتيد فى أيام معدودة، بالسخرية حينا وبالأفيه حينا وبأرواحهم حينما صنعوا ما لم يكن يتخيله أحد، حتى قال عنهم الرئيس الأمريكى باراك أوباما إنهم ملهمون، بينما هم يتندرون على ما يفعلونه قائلين «العيال السيس وقعوا الرئيس» لم يهبط عليهم وحى من السماء ليقول لهم ما يجب أن يفعلونه، ولم يتحولوا إلى ملائكة بين ليلة وضحاها، فقط آمنوا بفكرة، وأقسموا على أن يطبقوها، فصاروا معجزة تتحدث عنها العالم.
> أرفع راسك فوق إنت مصرى
بس خلاص








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة