نبدأ الكلام بالتأكيد على صداقة شخصية بينى وبين الأستاذ أكرم القصاص، والتأكيد على أن الخلاف فى الرأى - خلال 30 عاماً مضت - طالما أفسد للود كل قضية، وهو الأمر الذى لا نبتغيه فى هذا الحديث.. إذا صح القول.
كتب القصاص تحت عنوان "ترقيع الدستور.. وإبقاء النظام!" بعض النقاط التى يرى أنها تؤدى بنا الترقيع أو عمل رفا لدستور 1971 المعدل فيما بعد واتفق معه بل وأزيد عليه: ليصير أكثر اهتراء من أصله، بل وقد يصير منهاجا للدكتاتورية الرئاسية فى بلاد العالم لما امتلأ به من مواد تعطى رئيس الدولة صلاحيات لا حصر لها، وإن كانت تقترب من 32 صلاحية تجعل من الوطن أبعدية يجول فيها الحكام بصالحهم وطالحهم بلا رقيب أو حسيب.
وقد أصاب القصاص كبد الحقيقة فى المجمل العام، إلا أننى اختلف معه فى الرؤية السياسية لما يحدث الآن من تعديلات، كما اختلف مع بعض تصوراته.. فعلى سبيل المثال يبدو القصاص معترضاً على تعيين اللجنة لا انتخابها، وهنا نعود إلى مطلب أساسى لثورة 25 يناير، وهو حل مجلسى الشعب والشورى، وهما المجلسان المعنيان باختيار لجنة توافقية منتخبة (طبقا لتعبير القصاص) لإعادة صيغة الدستور, إلا أن المجلسين قد تم حلهما بالفعل طبقا لما طلبناه كمصريين، ولنضع فى الاعتبار أن حل المجلسين كان المطلب الثانى الذى توافقت عليه كل بيانات الثورة الخارجة من الأطياف والقوى السياسية المختلفة, ومن هنا نجد أنه لا بديل عن تعيين لجنة من الدستوريين تضم بينها عنصرى الأمة المصرية (مسلمين وأقباط) وهو ما حدث بالفعل.
أما عن التمثيل الحزبى والتيارات السياسية فى لجنة كتلك مثلما أشار القصاص وألمح عن وجود ممثل عن الإخوان دونا عن البقية, فدعونا نؤكد مرة أخرى أن التوافق السياسى لا يجب أن يؤثر على لجنة دستورية، وإنما النزاهة القانونية والمهنية العالية المستوى التى تحول دون ظهور الثغرات واختلاق التأويلات.
ثم تحفظ القصاص على انضمام اثنين من مساعدى وزير العدل ممدوح مرعى للجنة المشكلة, دون أن نعرف هل المشكلة فى كونهم مساعدين لمرعى أم لشائبة تشوب ضمائرهم أو مهنيتهم كأعضاء فى اللجنة!!
فإذا كان الأمر لمجرد ارتباطهم المهنى بمرعى.. فعذرا يا أستاذ أكرم, نحن هنا نعود إلى ما عانيناه طويلا من أحكام مسبقة شديدة الإجحاف، وأضيف أن وجود المستشار طارق البشرى على رأس اللجنة يعطى ارتياحا عاما لنزاهتها ومهنيتها العالية المستوى، نظرا لما عرف عن الرجل بوصفه واحداً من أشرف وأنزه رجال مصر قاطبة، وإلا اعتذر عنها فورا، وكلنا يعرف أن المستشار البشرى يزهد المناصب ويبتعد عن دوائر الضوء قدر الإمكان.
ثم يعود القصاص ليشير إلى أن تعديل 6 مواد من الدستور هو مجرد ترقيع، حيث يضم الدستور عشرات المواد التى يجب أن تعدل وتعاد صياغتها, وهنا أعود لضرورة وجود مجلس الشعب لبحث المواد الجديدة والملغاة والمعدلة لضمان موافقة المصريين عن طريق نوابه البرلمانيين، فيستعيد المجلس دوره الحقيقى فى الحفاظ وصيانة مصالح الأمة مما يذهب بنا إلى المقصد الرئيسى من وراء إعادة صياغة الدستور، وهو جمهورية برلمانية بصلاحيات محدودة لرئيس الدولة.
فإذا كان المجلس غير موجود نظراً لحله فعلينا الاكتفاء بالحل الجزئى المؤقت، وهو تعديل المواد الـ 6 لحين تشكيل المجلس الجديد بانتخابات نزيهة وتحت إشراف قضائى.
أما الإشارة للمادة 184 والخاصة بجهاز الشرطة وكونه هيئة مدنية نظامية، رئيسها الأعلى رئيس الجمهورية، وإنها قد تحولت إلى أداة لحماية النظام وليس لحماية الشعب، الأمر الذى يحتاج إلى تدخل دستورى يجعلها تابعة للسلطة التنفيذية التى هى الحكومة، إلا أننى أرى عدم وجوب جهاز الشرطة للحكومة، وإلا تحولت لأداة بطش من الحكومة باتجاه معارضيها فى يوم ما (لا قدر الله)، بل يجب أن يخضع الجهاز لمجلس الشعب كهيئة نيابية تهدف لمراقبة السلطات، وتحقيقا لمبدأ الشعب مصدر السلطات. وعند هذا الحد يتوقف الاختلاف، وتستمر الصداقة، ويمضى الدستوريون فى رتق دستور المواطن الذكى.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة