يصاب المرء بدهشة ممن يعتبرون الحديث عن تعديل صلاحيات الرئيس فى الدستور، أو تأكيد الفصل بين السلطات أمر يؤخر عودة الحياة لطبيعتها، ولا يرى هؤلاء أن ماكان يجرى من عدوان على القانون وتلاعب فى الدستور هو الذى أخرنا عقوداً.. وسيادة القانون أمر يسهل كثيرا مسيرة الحياة، بعد سنوات تسبب تكديس السلطة فى يد شخص واحد فى كوارث، وحتى لو كان يحوز كل المواهب فإنه فرد فى النهاية.
لقد تم التلاعب فى الدستور خلال السنوات الأخيرة بشكل شوه محتواه وروحه وانتزع منه الميزات التى تضمن حرية الرأى والعمل السياسى والتعبير، أو التى تعطى المواطنين الحقوق المتساوية فى التعليم والعلاج والثروة والعمل. وجعل القضاء تابعا للسلطة التنفيذية بشكل كامل، مع أن مبدأ الفصل بين السلطات يعنى أن تكون لكل سلطة قدرتها على العمل لمراقبة باقى السلطات، والسلطة القضائية هى المرجعية التى تحدد صحة القرارات والتصرفات والقوانين ومدى مطابقتها للدستور.
البعض يرى الحديث عن الدستور تضييعاً للوقت، وهؤلاء يفضلون أن يعيشوا عبيداً وتابعين ولا يحبون الحرية، أو أنهم من أثرياء الفساد وعشاقه، لأن كل أنواع الفساد التى شهدناها كانت تقوم على ثغرات قانونية، أو تتم بمعرفة صناع القوانين والمتلاعبين بها.
نحن نعرف أن تعديل أو تغيير الدستور لا يكفى وحده لإقامة نظام عادل يقوم على المساواة وتكافؤ الفرص، لكن الدستور هو القاعدة التى تقوم عليها باقى التشريعات. وضمان إجراء انتخابات حرة يفرز برلمانات حرة تعمل لصالح الناخبين، وقد رأينا كيف كان مجلس الشعب يبدو فى ظل رئاسة الدكتور فتحى سرور أحد الهيئات التابعة للرئيس، كان يعمل بتعليمات الرئيس ورأينا كيف كان الدكتور سرور حتى يوم الخامس والعشرين من يناير يصر على أن مجلس الشعب يضم شرفاء الأعضاء مع أن البرلمان كان مزوراً تزويراً بيناً.
لا نحتاج فقط إلى تعديل دستورى لعدة مواد، بل نحتاج إلى تأكيد الفصل بين السلطات ومنح القضاء استقلاليته الكاملة عن الرئيس ووزير العدل والحكومة، وأن تكون الحكومة منتخبة يشكلها حزب منتخب ولا تكون معينة بقرار لفرد، وعندما تكون الحكومة منتخبة فإنها مدينة للناخبين وليس للرئيس.
من أجل إقامة مجتمع العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص يجب أن تكون السيادة للقانون بالفعل وليس بالاسم، وسيادة القانون تعنى أن يكون الوزير والخفير متساويين أمام القانون، وأن تنتهى نظرية "ماتعرفش أنا مين"، وأن تكون المناصب للأكثر كفاءة وليس للأقارب والمحاسيب، وألا يكون من حق الوزير إغلاق الطريق ومنع المواطنين من الذهاب لأعمالهم لمجرد أنه يذهب إلى النادى أو تذهب زوجته للكوافير.
الشعب يريد أن يكون التعيين فى النيابة والشرطة والقضاء والبنوك والدبلوماسية والجامعة للأكثر كفاءة وتفوقاً، وليس للأكثر أهمية أو سلطة، لقد أصبحت مصر عزبة يتوارثها لأبناء من أباهم، ولم يكن هذا فى السياسة فقط لكن فى كل نواحى الحياة. والمساواة لا تعنى أن يكون كل الناس شكلاً واحداً ودخلاً واحداً، لكن أن يكون الناس متساوين فى الفرص وفى الحقوق والواجبات.
وكل هذا لا يكفى له تعديل بعض مواد الدستور، بل يحتاج إلى أن يكون الشعب طرفاً فى كل شىء وشريكاً فى إدارة حياته. ولا يمكن ونحن فى القرن الواحد والعشرين أن تظل مدارسنا العامة بهذا التردى وكثافة الفصول بهذا التكدس وأحوال المعلم فى الحضيض، بينما من يدفع يمكنه الحصول على تعليم أفضل، ونفس الأمر فى العلاج والمسكن، لا يمكن أن يكون هذا هو حال المواطن المصرى.
لهذا ثار المصريون وفقدوا مئات الشهداء وآلاف الجرحى، من أجل أن يكونوا شركاء فى إدارة بلدهم، وهى مهمة صعبة لكنها ممكنة، إذا حصل هؤلاء على مكانهم فى إدارة الدولة، وكل هذا لن يتم إلا إذا تم إقامة نظام عادل لتداول السلطة والمشاركة فيها، وعدم الاكتفاء بترقيع هنا أو صبغة هناك.
المشاركة تعنى توزيع السلطات وعدم تركيزها فى يد واحدة، وأن يكون القضاء مستقلا.. ولا نعرف لماذا يغضب البعض من هذه المطالب إلا إذا كانوا اعتادوا الحياة فى ظل العبودية أو لأنهم استفادوا من التسلط الذى ينتج الفساد.
نحن نعرف أن التغيير صعب، وأن تعديل عدة مواد فى الدستور أو حتى تغييرها لا يصنع الديموقراطية.. نحن نحتاج نظاماً يبدأ من أسفل من المحليات التى يفترض أن تقوم بالدور الرئيسى فى البناء السياسى، حتى لا يتحول مجلس الشعب إلى مجلس محلى موسع مثلما كان جارياً فى برلمانات فتحى سرور.
وكل هذه التعديلات لا تعطل الاقتصاد ولا تعرقل أعمال الناس، ويفترض أن تتم والحياة تسير بطبيعتها، لكن حتى لا يكون الوضع كما كان أو أسوأ، الشعب يريد بلداً يدار بسيادة القانون وليس بسيادة الفساد.