النجاح المذهل الذى حققناه نحن المصريين فى إطاحة الرئيس المخلوع حسنى مبارك من عرين السلطة، يجب ألا ينسينا أنه يمثل رأس النظام المستبد فقط، وليس كل النظام. الأمر الذى ينبغى أن نتحوط له، فالذين استفادوا من هذا النظام الفاسد مازالوا رابضين هناك، ينتظرون الفرصة للانقضاض على الثورة، واستعادة مكاسبهم ومناصبهم ونفوذهم، فهم ليسوا بقلة، حيث يمكن إجمالهم فى عدد من رجال الأعمال الفاسدين والوزراء الفشلة السابقين (أكثر من عشر وزراء فى حكومة تصريف الأعمال كانوا وزراء فى عهد مبارك، فضلاً عن أن رئيس الوزراء نفسه أحمد شفيق تم تعيينه من قبل مبارك قبل أن يكلفه المجلس العسكرى الحاكم بالاستمرار فى منصبه).
لا تنس من فضلك أن أحمد شفيق هذا سخر من المتظاهرين فى ميدان التحرير قبل سقوط مبارك، مؤكداً أنه ليس لديه مانع من إحضار البونبون والعصير لهم، معتبراً وجودهم يشبه الهايد بارك فى بريطانيا!
إذن.. كيف يمكن لنا أن نطمئن إلى رئيس وزراء فى العهد الجديد كان يسخر ويتربص بالثائرين، قبل أيام، ضد العهد القديم؟ بالضبط مثلما لا تطمئن أرواحنا بالمرة إلى رؤساء تحرير الصحف القومية المنافقين الذين مازالوا على رأس الجرائد المسماة خطأ بالقومية.
فهؤلاء ظلوا حتى الرمق الأخير، مع قادة التليفزيون الرسمي، يمجدون مبارك ويشيدون بعبقريته، فى الوقت الذى وصفوا فيه الثورة والثوار بأبشع الصفات وأكثرها دناءة.
إن وجود هؤلاء الذين غيروا دينهم الصحفى فور انتصار الثورة، يؤكد أن الخطر مازال ماثلاً، خاصة وأنهم مازالوا يحتلون مناصبهم المرموقة على الرغم من مرور أسبوع كامل على إزاحة مبارك من كرسى العرش (أكتب هذا المقال صباح الخميس 17 فبراير 2011). لذا يصبح من السذاجة أن نكتفى بالخطوة الجبارة التى حققناها وهى إزاحة الطاغية من فوق كرسى العرش، لأن أتباعه ومريديه مازالوا يحتلون المواقع المرموقة فى كثير من أجهزة الدولة. وحتماً سيمكرون ويتلاعبون حتى يظل النظام الذى أسسه مبارك قائماً بكل جبروته وموبقاته.
أرجوك لا تنسى أن إسرائيل كادت تصاب بالجنون أثناء خلع مبارك، فهو رجلهم القوى الذى منحهم الفرص الذهبية ليعيثوا فى الأرض فساداً طوال ثلاثين عاماً، وهو الذى يصدر لهم غازنا المصرى بربع سعره العالمي، وهو الذى يغلق فى وجه أهل غزة من الفلسطينيين معبر رفح، لينكلوا بهم ويحاصروهم. وهو الذى وصفه قادة الدولة العبرية بأنه (كنز استراتيجى لإسرائيل). وعليه يصبح من البديهى أن تكافح إسرائيل للمحافظة على نظام مبارك، ولو من غير مبارك نفسه.
لكل هذه الأسباب ينبغى أن تسعى الثورة إلى طرد الرئيس المخلوع خارج مصر فوراً، حتى لا يمثل وجوده قوة غير مرئية للذين يترصدون بنا، ويخططون سراً لاستعادة نفوذهم وهيمنتهم، مدعومين بإسرائيل والقوى الكبرى التى دعمت نظام مبارك وسكتت على بطشه وفساده. أرجو أن تلاحظ أنه لا يوجد كلام واضح ومحدد حول مكان وجوده لا هو ولا أسرته.
الأمر الذى يؤكد أن احتمالات الغدر بالثورة قائمة، خاصة أنه حتى هذه اللحظة لم تتم الاستجابة من قبل من بيدهم الأمر الآن إلا إلى القليل من مطالب الشعب المصرى التى رفعها الثوار.
لا تقل لى من فضلك أن الرجل مريض أو مكتئب، وعلينا إكرامه وعدم إزعاجه. ذلك أن الرئيس المنبوذ هو الذى أوصل الأمور إلى هذه النقطة، وهو يجنى حالياً ما صنعت يداه. كما أن نجله جمال مازال بكامل قوته ونفوذه واتصالاته وملياراته، ومن المؤكد أنه لن يسكت على تدمير حلمه باعتلاء عرش مصر. من هنا بالضبط أطالب الثورة المصرية العظيمة بكل تحالفاتها وائتلافاتها وأحزابها بضرورة الإصرار على طرد مبارك وعائلته فوراً خارج مصر، أو القبض عليه ومحاكمته. حتى يأمن الشعب على حياته ونجاح ثورته التى تسعى لإقامة مجتمع ديموقراطى عادل وجميل، لأن انتقام الديكتاتور إذا استعاد سلطانه، لا قدر الله، لا يعرف الرحمة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة