هل يمكن أن يتم تكريم شخص متهم بسرقة المليارات من قوت الشعب؟ هل يمكن تكريم شخص حكم الناس بالحديد والنار عبر قانون الطوارئ لمدة 30 سنة، ووصلت البلاد فى عهده إلى حالة من الترهل وغرق المجتمع فى الفساد وغابت الكرامة والشعور بالانتماء للوطن؟ هل يمكن تكريم شخص قتل وزراؤه وضباط شرطته الناس فى الشوارع بالرصاص الحى؟ هل يمكن تكريم شخص مارس كل العادات السيئة وسمح لرجاله أن يفعلوا بالشعب ما يريدون دون أى عقاب؟ وهل يمكن تكريم شخص فعل كل ذلك وغيرها الكثير من الأفعال والتصرفات والسلوكيات التى جعلت الإنسان المصرى فاقد القيمة والانتماء والولاء للوطن لمجرد أن هذا الشخص قام بدوره عندما كان ضابطا فى الجيش، أدى دوره فى ذاك الوقت مثل كل زملائه، حيث كان يعمل ضمن منظومة تجبر كل من ينتمى إليها على الالتزام والانضباط، ولكنه عندما تولى أمر البلاد والعباد خرج عن هذا النظام وسرق 30 سنة من عمر مصر وكان يخطط لسرقة مستقبلها بالتوريث.
للأسف مازالت بعض فلول النظام البائد تحاول أن تجعل ذلك ممكناً من خلال الخروج فى مظاهرات وفاء وتكريم للرئيس السابق حسنى مبارك، ليس حباً فى مبارك ونظامه، بل كرها ً للنجاح وبغضاً للحق والعدالة، والخوف من تطبيق مبدأ الثواب والعقاب، وغياب " نظام السبوبة" الذى كانوا ينتفعون منه دون وجه حق، لذلك ظهرت الفئة التى تنادى بتكريم مبارك كأنهم أيتام النظام، مات أبوهم الذى كان يحميهم من العقاب ويتيح لهم الفرصة لسرقة الشعب جهاراً نهاراً.
قد نجد بعض العذر لأيتام النظام، فقد زرع فيهم على مدار 30 سنة سياسات يصعب تغييرها بين عشية وضحاها بعد أن جعل الولاء للرئيس وليس الوطن، جعل الرئيس إلها معصوما من الخطأ وغرس فى أذهان هؤلاء الأيتام أن الرئيس هو أب المصريين ولا يمكن إهانة الأب حتى لوكان حرامى وقاتلا وسفاك دماء ومدمر البلاد والعباد.
لقد زرع فى قلوبهم وعقولهم أن مصر بدون مبارك لاقيمة لها، بل ستزول من الوجود وستحل بها اللعنات وكأن مصر خالية من القيادات والكفاءات القادرة على الوصول بها إلى العالمية ووضعها فى مكانها الصحيح، بعد أن أسقطها مبارك ونظامه فى براثن الفساد، من خلال ترسيخ مبدأ، أنت ومالك لأبيك وأبى هنا الرئيس فقط، وإن ضربك على خدك الأيمن أدر له خدك الأيسر و"امشى جمب الحيط" و"امشى عدل يحتار عدوك فيك" و"من خاف سلم " " وعايزين الشاى" و" ادفع تنجز" و"هين قرشك ومتهنش نفسك" "وأنت عارف أنا مين"، وغيرها من الأمثال والسلوكيات التى تربى عليها الشعب طيلة السنوات الماضية حتى يبقى خانعا وذليلا، كل هذه الممارسات قد تجعلنا نعذر الفئة التى خرجت تطالب بتكريم الرئيس فلم تعرف على مدى 30 سنة سوى هذه الكلمات ولا تعرف أن لها حقوقا وعليها واجبات، وأن الرئيس موظف لدى الشعب يجب أن يحاكم عندما يخطئ، وأن الشعب المصرى الأصيل لا يقبل أن يكون أبوه حرامى وسفاك دماء وقائد لعصابة على بابا والأربعين حرامى وليس قائد لأكبر وأهم دولة فى المنطقة.
وأن هؤلاء الأيتام لم يدركوا أنهم مازالوا يعيشون فى جلباب أبيهم غير مدركين أن ثورة 25 يناير المجيدة مزقت هذه الأمثال وصنعت أمثالا جديدة تجعل الإنسان يشعر بالفخر وهو يسير فى أى مكان وأن له حقوقا يجب أن يحصل عليها، وعليه واجبات لابد أن يؤديها، عليه أن يعاقب الموظف العام على أخطائه حتى لوكان رئيس الجمهورية ولايجعله إلها معصوما من الخطأ ويبحث عن الحجج الواهية من أجل براءته.
لم يعلموا أن ثورة 25 يناير جعلت الإنسان المصرى يشعر بالانتماء إلى وطنه لأول مرة بعد 30 سنة عجاف فقد خلالها كل القيم الجميلة التى يتمتع بها شعب مصر، لأول مرة أصبح الإنسان المصرى حريصا على أن يكون إيجابيا وفعالا، وقرر أن يلغى من قاموسه الكثير من العبارات والألفاظ والسلوكيات الخاطئة، واستشعر أن له كرامة وحقوق بفضل ثورة 25 يناير المجيدة التى تجاوز صداها حدود الوطن وأصبحت المثال الذى يحتذى به فى تاريخ الثورات على مر العصور، مما دفع وزير التربية والتعليم البريطانى للمطالبة بتضمين أحداث هذه الثورة فى المناهج التعليمية للاستفادة منها، هذه الثورة هى التى دفعت أكبر رئيس دولة فى العالم الولايات المتحدة الأمريكية للقول بأن ثوار التحرير مصدر الإلهام والإبداع للشعب الأمريكى.
بالرغم من عظمة الثورة بشهادة أعدائها قبل أصحابها ونجاحها فى الإحلال وتغيير النظام وسعيها الآن نحو تطهير البلاد من الفساد، ما زال البعض غير قادر على الخروج من أفكار النظام البائد والتحرر من أغلال حقبة آل مبارك، غير مصدقين نجاح الثورة وغير مدركين قدرة وعظمة شباب مصر.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة