بروز حزب الوسط على الساحة، يعنى إلقاء حجر كبير فى مياه السياسة المصرية الراكدة مع سبق الإصرار والترصد منذ ستين عاماً، بمعنى آخر، سيكون نقلاً وتجذيراً لتجربة حزب العدالة والتنمية فى تركيا إلى تربة مهيئة لاستقباله والالتفاف حوله ودعمه، كما سيكون فى ذاته الإزاحة الحقيقية لأدوات اللعبة السياسية وطرائق التفكير فى إدارتها، كما سادت لسنوات طويلة.
على مدى العقود الماضية، كان النظام المصرى يستمد أسباب بقائه داخلياً وخارجياً من إدارة الصراع مع كل أشكال التطرف التى صورها على هيئة الغول الذى يريد اختطاف الحكم والحياة والمجتمع إلى نجوم أفغانستان طالبان، وفى القلب من هذا المشهد كانت جماعة الإخوان المسلمين التى اعتبرها نظام مبارك الجناح الأكثر خطورة وتنظيما وقدرة على المناورة بين أجنحة الجماعات والتشكيلات الإسلامية، ومن ثم ترسخت فزاعة "هل تفضل الإخوان أم النظام الحالى رغم تجاوزاته؟" لتكون بمثابة السؤال المر خارجياً وداخلياً على مستوى النخب والأحزاب السياسية.
استفاد نظام مبارك فى تدعيم هذه الفزاعة وركب أمواج التطرف الإسلامى ليجعل من نظامه الوجه الآخر من شعار الإخوان الشهير "الإسلام هو الحل" فكان نظام مبارك هو الحل فى نظر كثير من الدول المؤثرة التى تعمل على حفظ استقرار مصر، كما كان هو الحل بالنسبة للنخبة السياسية أيضاً، والأخطر من ذلك أن شعار نظام مبارك الاختزالى الذى يواجه شعار الإخوان الاختزالى تحول إلى آلية تفكير للعقول المحسوبة على النظام، كما أصبح منظومة لتشكيل ومنهجة تفكير عموم الناس، فخرج المفكرون والكتاب والسياسيون وأطلقوا علينا مئات الآلاف من الكتب والمقالات والتصريحات والمقابلات التليفزيونية التى تهدف إلى تخيير الناس بين الإخوان الراغبين فى تأميم الحياة المصرية وقتل الحلم الليبرالى المنتظر للدولة المدنية وبين نظام مبارك الذى يطرح نفسه باعتباره ساعياً إلى تحقيق هذا الحلم وإن على المدى الطويل.
الآن وبعد انتهاء نظام مبارك وسقوط فزاعته وشعاره الاستقطابى "نظام مبارك هو الحل" أصبحت الساحة فارغة وتحتاج إلى مقولات جديدة ومحددات جديدة وطرائق جديدة للتفكير تتناسب مع الموج الصادر فى الشارع والرغبة العارمة فى المشاركة لدى الشباب.
أعود إلى حزب الوسط، الذى أرشحه ليكون أحد فرسان المرحلة السياسية المقبلة، فأقول إن هذا الحزب يهدد أول ما يهدد جماعة الإخوان المسلمين ومكتسباتها فى الشارع، فقد اكتسبت الجماعة حضوراً والتفافاً كبيرين للكتلة الصامتة كراهة فى نظام مبارك، لكن نظام مبارك سقط، وتبحث هذه الكتلة الآن عن نفسها وأول ما ستفعله هو الانفضاض عن الجماعة، فلماذا نؤيدها إذا كانت تفعل ذلك فى الماضى ليست عن إيمان وإنما عن كراهة ومعارضة فى نظام وضع نفسه وجهاً لعملة واحدة مع الإخوان!.
أيضاً، يبدو حزب الوسط متحففاً من مشاكل جماعة الإخوان التى تجعل منها جماعة مغلقة، قابلة للانقراض، فهو لا يعارض ترشح المرأة ولا الأقباط للرئاسة، ويحيل إلى صيغة مدنية للدولة عكس الجماعة المصرة على الجمع بين الحزب والعمل السرى، كما تصر على مقولاتها الإقصائية التمييزية بحسب كلام مرشدها مؤخراً وموقفة المعلن من المرأة والأقباط.
يتزامن بروز حزب الوسط مع صعود الحركة الشبابية الحماسية الراغبة فى المشاركة الحقيقية، وبالقطع سيجتذب الحزب عدداً لا بأس به من الشباب، بالإضافة إلى أن رؤيته الدينية المعتدلة وسعيه للدولة المدنية يمثلان عناصر جذب إضافية فى المرحلة المقبلة.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة