الأنبياء فقط هم المعصومون من الخطأ، وبالتالى لا يجوز انتقادهم أو تجريح أفعالهم وقراراتهم وأحكامهم أيضا، التى هى، عند الكثير منا، وحى من السماء، تلك السماء التى توقفت عن إرسال الأنبياء والرسل إلى الأرض منذ ما يزيد على أربعة عشر قرنا.
وبما أن السماء توقفت عن إرسال الأنبياء، إذن فنحن لا نحتاج إلى أنبياء أو رسل يقودوننا ويحكموننا، بل نحتاج إلى إنسان "بشر"، مثلنا، يصيبون ويخطئون، نمدحهم ونساندهم إذا أحسنوا وأجادوا، وننقدهم إن أخطأوا التقدير وقصروا فى تنفيذ واجباتهم، غير أن العقلية الثقافة المصرية والعربية، دائما ما تقدس الحاكم، ليصبح كل ما يفعله رائع وكأنه وحى لا يأتيه الباطل.
عانينا منذ آلاف السنين من نظرية "تأليه" وتقديس الحاكم، عانينا من فرعون الذى امتلك مصر وما عليها، حتى أباده الله، كما قاسينا من حكم "الواحد" الفرد الذى لا يجول بخاطره فكرة أن يترك الحكم بإرادته أو بإرادة شعبه، حتى يأتى قدر الله ويزيحه موتا من عرش حكمه، فلم تعرف مصر لقب الحاكم "السابق"، بل عرفت فقط الرئيس "الراحل".
لسنا فى حاجة إلى أنبياء، نحن بحاجة ماسة إلى حاكم يطبق ما تركه الأنبياء من عدل ومساواة، حاكم يدرك تماما أنه بشر، يعمل من أجل شعبه، يفصل بين المؤسسات، يعى تماما أن كلمة سر وجوده على كرسى الحكم هو إرادة شعبه وليست إرادته ومطامع بطانته.
"الحاكم والمحكوم" إشكالية معقدة، ولاسيما فى عقل المواطن العربى، الذى يظل يمجد فى حاكمه، حتى تصل "الأنا" الحاكمة إلى ذروة الغطرسة والغرور، بينما تنسحب من "نحن" المحكومة من كل حقوقها التى تسلب منها بمباركة غريبة من الشعوب، لتضاف إلى أرصدة الحاكم، لتصبح إدمانا يستحيل معه الشفاء.
لابد من تغيير نفسية وعقيدة كل من الحاكم والمحكوم، فعلى الأول أن يدرك أنه لن يخلد فى موقعه أبد الدهر، وهو ما أدركته دساتير الغرب بتحديد فترة الولاية بحد أقصى عشر سنوات، حتى لا يصير "الكرسى" إدمانا، وعلى الشعب المحكوم وأن يدرك ويتيقن أن القوة والقدرة على التغيير بيده هو، ولا ينظر للحاكم كأنه إله أو نصف إله أو نبى مرسل.
لقد كسرت ثورة 25 يناير أسطورة تقديس الحاكم، ليحل محلها تعظيم دور الشعب الذى يختار ويحاسب، ويقصى إذا احتاج الأمر إلى ذلك، فنحن لا نحتاج إلى أنبياء.
عدد الردود 0
بواسطة:
م.السيدخضر
العدل