لطالما كنت مدافعا ومؤمنا بأساس أفكار القومية العربية ولازلت لها حتى الآن مدافعا ونصيرا.. حتى إننى فى أسفارى إلى أقطار عربية شقيقة كنت دائم النقاش والحديث حول هذه الفكرة التى تربط أواصر الوطن الواحد ببعضها البعض، بالرغم من أن الكثيرين يرونها أفكارا قديمة لا تليق بأنظمة ومتطلبات جديدة – آنذاك- طبقا لهم.
وعندما انطلقت الثورة التونسية ثم تلتها المصرية والآن الليبية واليمنية والبحرينية زاد اقتناعى بما آمنت به طوال سنين عدة مضت وهذا ما دفعنى لزيارة ليبيا منذ أكثر من أربع سنوات حيث التقيت بالعديد من الدوائر السياسية فى ليبيا والأهم مجموعة من شباب لا تتجاوز أعمارهم الآن 36 عاما وكانت دهشتى تكمن فى وعيهم السياسى العالى وغضبهم على نظام القذافى الذى طبقا لهم وحسب تجربتى الذاتية يحكمهم بقمع الأفكار وكبت الحريات والترهيب الأمنى ثم عملت مذيعا بإحدى المحطات المملوكة لواحد من أشهر السياسيين الليبيين والذى سمح لنا وقتها بالارتفاع بسقف الحرية مخترقين الحدود السياسية العربية كلها وحتى ليبيا إلى أن تم غلق المحطة بأمر من القذافى نفسه وهو ما تناولته الصحافة والإعلام خلال شهر مارس الماضى.. فكان لى من الحظ الجيد أن أتابع الصحافة ووسائل الإعلام الليبية والاطلاع على مجريات الشأن الداخلى مما أعطانى انطباعا أثق فى صدقه حول إيمان الشباب الليبى بأفكار التقارب العربى أكثر من مثيلتها على أصعدة أخرى لها أهميتها كالصعيد الأفريقى.
ثم كانت الأحداث الحالية وتأجج الثورة بين ربوع ليبيا وأصقاعها حتى سيطر الثوار على الشرق الليبى وانطلقت محاولا الاتصال بأصدقاء من أبناء جيلى هناك للاطمئنان عليهم وعلى ما يحتاجون ولمتابعة المد الثورى هناك.. فانطلق صديقى مؤكدا "إذا ما نهضت مصر نهضنا معها وسنلحق بقطار الحرية" ولما هممت بالكلام قاطعنى "إن أحلام الوحدة والوطن الكبير باتت على مرأى البصر ووصلت الأصوات إلى مسامع العالم".
أعود بكم إلى ما حاولناه خلال الـ34 سنة الماضية وبعد رحيل الزعيم جمال عبد الناصر حيث تخلينا عن حلم الوحدة العربية مقابل مشاريع المجالس الاقتصادية المشتركة والتى باءت جميعها بالفشل بدءا بالخليجى مرورا بالمصرى العراقى اليمنى الليبى وصولا إلى المغاربى والتى لا يوجد سبب رئيسى لفشلها سوى تعنت الأنظمة التى كانت مسيطرة على مقدرات الشعوب وذلك ليقينها أن هناك ما قد يقوض العروش, ففى الخليج باتت إمارة دبى هى حجر العثرة فى طريق العملة الخليجية الموحدة والبنك المركزى الخليجى الذى كان مقدرا له الرياض بدلا من الإمارات وفى الائتلاف المصرى العراقى اليمنى الليبى كانت الخلافات المصرية الليبية ركيزة أساسية إلى أن جاءت حرب الخليج الثانية لتطيح بآمال الشعوب فى غد أفضل ولتعلوا بأحلام الحكام فى نهب أكثر ثم كان النظام التونسى المخلوع والمغرب المرتقب مع الجزائرى غير المستقر لأسباب تتعلق بفرنسا تحديدا هو سر فشل هذا المشروع.
أضيف إلى ذلك أن رؤوس الأنظمة العربية كانوا يرون أن نجاح هذه التحالفات الاقتصادية سوف تؤدى إلى سهولة انتقال العمالة كخطوة أولى ومنها ظهور علاقات اجتماعية بين الشعوب العربية على نطاق واسع مما يمهد إلى اكتساب الجنسيات المزدوجة خاصة بين أبناء دول الجوار وهو الأمر الذى يشكل ضغطا اجتماعيا على النظم لإعادة صياغة قوانين الجنسية والامتيازات المصاحبة لها من جهة وإعادة توزيع الخريطة السكانية العربية من جهة أخرى مع الوضع فى الاعتبار حالة الانتعاش الاقتصادى التى تنتج عن نجاح هذه التحالفات الاقتصادية.
ومن هنا تبدأ قوى سياسية جديدة فى الظهور مطالبة بوحدة عربية ليست على غرار الاتحاد الأوروبى وإنما أكثر ارتباطا وتعقيدا نظرا لاعتبارات اللغة والتاريخ والعقائد والأفكار والثقافات، وهو ما يضع رؤساء وملوك العرب فى أزمة زعامة ما بعد الوحدة. بمعنى أوضح (من سيكون الرئيس ومن هم بطانته) وهو ما دفعهم لقتل مبادئ الوحدة فى مهدها ووأد الأصوات المطالبة بها، حتى باتوا يختلقون الأزمات بينهم وبين بعض لشق الصف الشعبى العربى وإبعادهم قدر الإمكان عن بعضهم البعض.
وتأتى رياح التغيير بما لا تشتهى سفن الأنظمة العربية فتوحد الثورة روح الشباب العربى الناهض ليطالب بالتغيير, بالحرية والعدالة الاجتماعية وإسقاط النظم وتتطور حركة التحرر العربية الجديدة فى ليبيا لتصل إلى التصدى بعد المواجهة والتقدم بعد الإصرار.
أقول لكم إن الحرية لها ثمن لابد أن يدفع والوطن الكبير الآن يكبر ويتحرر بإرادة أبنائه وإيمانهم وتكاتف الشباب العربى ولتدمع أعيننا جميعا فرحا ونحن نستمع إلى "وطنى حبيبى.. الوطن الأكبر".
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة