الاختبار الذى علينا اجتيازه الآن، وأقصد الطليعة النشطة المنظمة للملايين الذين شاركوا فى ثورة النصر، هو الإجابة عن السؤال، كيف يمكن تطوير التظاهر والاعتصام فى ميدان التحرير إلى ثورة دائمة محركة للشعب المصرى؟
هذا السؤال وجهته إلى عديد من زملائى المشاركين فى التجمع بميدان التحرير أمس الجمعة، كان أبرز أسباب التجمع هو المطالبة بإقالة أحمد شفيق رئيس حكومة تسيير الأعمال، سألت ماذا بعد إقالة أحمد شفيق؟ هل القضية فى الشخص أم إيجاد المبرر للنزول إلى الميدان؟ هل نملك خيارات أخرى للعمل وتطوير الثورة أم أن الثورة أصبحت تعنى بالنسبة لنا التظاهر فى ميدان التحرير؟
الردود التى تلقيتها كانت للغرابة لا تعترض على شخص أحمد شفيق ولكنها تعترض على صلته بالنظام السابق، وتصريحه الخاص بتوزيع البونبون على الثوار، لكنى لم أتلق ردا واحدا على ماذا بعد إقالة أحمد شفيق، اللهم إلا ردودا غائمة مثل لكل مقام مقال، نحن لا نتوقف عن الاجتماع لمراقبة الأوضاع على الأرض، نحن هنا أيضا لأن المجلس العسكرى لا يشركنا فى القرارات التى يتخذها، نريد أيضا الإفراج عن المعتقلين.
جميع هذه المطالب السابقة مشروعة لكن ماذا عن الثورة والاندفاع بها خطوات إلى الأمام؟ الثورة لم تكن أبدا طليعة من النشطاء المنفصلين عن الملايين، بل كانت هى الالتحام بين النشطاء والملايين لتحويل قوتهم الدافعة الهائلة إلى شرعية ثورية، الآن نحن عدنا إلى المربع الأول، أصبحنا مجموعة من النشطاء المنفصلين عن الجماهير التى تفتت إلى مجموعات من الاحتجاجات والاعتصامات الفئوية أو المنتظرين ثمار التغيير تهبط عليهم بسرعة، لماذا تركنا الملايين وبقينا نحن نتحدث كنخبة تريد حصة من المشاركة فى صنع القرار وحصة من الظهور السياسى.
قلت للعديد من الزملاء إن دورنا الحقيقى هو فى بناء مجتمع مدنى قوى يشارك فيه الملايين التى خرجت للثورة، بحيث يكون هذا المجتمع المدنى الجديد الذى يتكون من آلاف الجمعيات الأهلية الفاعلة فى كل قرية ونجع ومنطقة عشوائية وحى، وكذلك فى النقابات والأحزاب السياسية، يكون الوسيلة لاستمرار الثورة وامتدادها فى جميع ربوع مصر، على أن يتم العمل على تأكيد الصلات والتشابك بين عناصر هذا المجتمع المدنى الجديد لتعمل على محاور عدة، أولها الوجود فى الشارع وتقديم الخدمات عبر نشر وتعظيم ثقافة التطوع، وثانيها التوعية بالحقوق الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وحقوق الإنسان وكيفية المطالبة بها، وثالثها الاستعداد بالمشاركة الإيجابية فى الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة ومراقبتها ومحاسبة النواب الذين أعطيناهم ثقتنا على تنفيذ البرامج التى نالوا بمقتضاها ثقتنا.
قلت إن بناء المجتمع المدنى القوى لا يسقط أبدا التجمع والتظاهر والاعتصام فى ميدان التحرير وغيره من ميادين المحافظات، لكن لا ينبغى لنا أن نجعل من الخروج للميادين رحلة كل يوم جمعة يخرج فيها الناس لتناول الآيس كريم والمشروبات الغازية، لا ينبغى أن ندعو للخروج لميدان التحرير لأننا لا نعرف بالضبط الخطوات الكفيلة بتحويل الثورة إلى ثورة دائمة.
الآن وليس غدا، علينا إشهار الآلاف من الجمعيات الأهلية والمنظمات الحقوقية، ووضع خريطة لها على مستوى الجمهورية مع العمل على تشبيك هذه الجمعيات والمنظمات، والتشبيك بينها وبين النقابات المهنية والأحزاب ليكون لدينا الصوت المدنى القوى اجتماعيا وسياسيا بين الناس، وحتى نعمل فعليا على الأرض، ولا نكتفى برفع الشعارات والمطالب على أوراق الكارتون.