نحن شعب فيه كثير من الناس يفرحون بالآمال الكبرى حتى وإن لم تتحقق، فنكتفى بشكر الرب على أن منحنا إرادة الحلم دون أن نعاتب أنفسنا ولو مرة واحدة على أنها لم تمنحنا القدرة على الفعل، ليظل كل ما نحسبه جهادا نوعا من العبث، وتصبح كل إنجازاتنا بلا هوية أو هدف، طالما نعاملها كحجر نرميه بطريقة "حادى بادى" ثم ننتظر منه أن يصيب المرمى، فكانت انتفاضة الشباب الحر فى ميدان التحرير عكس كل ذلك، ليسطروا بدمائهم أول خطوة يفعلها مصريون يعرفون حقا ماذا يريدون.
لا تعتبر هذا الكلام ألغازا فلسفية، ولكن كثيراً منهم سيفهمنى عندما أقول إن الشباب التى تجرى فى أجسادهم حرارة الثورة والتغيير يشعرون الآن بأن أحدهم يسحب بساط الحرية من تحت قدميه شيئا فشيئا، يشعر وكأن هناك يداً خفية دخلت تحت ملابسه لتهتك طهارته وأهدافه النبيلة وهو ساكت لا يستطيع أن يردد سوى كلمة واحدة "ارحل.. ارحل"، لا يريد أن يشتم أو يلعن ذلك الذى يحاول أن يسلبه حلمه، لأنه أخيه فى الوطن بعد أن ضللوه وخدعوه بخزعبلات الفراغ الدستورى الفوضى ونقص الطعام، هذا هو أقصى شعور بالألم والقهر يجتاح الإنسان، أن تمنعك صلة الأخوة ورابطة الوطن الواحد فى أن تبطش بهؤلاء الذين وضعوا فى طريق أحلامك وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا لهذا الوطن.
هذا ليس يأسا يا صديقى إنما هو حزنى وحزنك على الملايين من أشقائك فى الوطن الذين خرجت أنت وزملاؤك لتدافعوا عن حقهم فى حياة كريمة، وتنتزعوا لهم حرية لم يعرفوا طعمها من قبل وتضمنوا لأبنائكم وأبنائهم كرامة فقدتموها فى أعوامكم السابقة، فكان هؤلاء الأشقاء أول من انقلبوا عليكم واعتبروكم خائنين، ومخربين وعملاء تقبضون من أمريكا وتأكلون كنتاكى وترسلون تقارير لإسرائيل، كلهم قالوا عنكم "هذه مظاهرة لشباب لهم مطالب شريفة ومشروعة بس المشكلة إنهم..."، وضع مكان هذه النقاط ما شئت من لعنات وشبهات ونقائص، ألصقها بعض الناس بالمتظاهرين.
أكثر ما يحزن فى هذا الأمر أن يذهب الأمر إلى أبعد من ذلك، فبعضهم غالى فى أن يقحموا الله فى الموضوع ويجعلوا لفظ الجلالة رقما فى المعادلة السياسية.. "هذا الرئيس اختاره الله"، هل تعقل فعلاً ما تقول وتقتنع به أم أنه مجرد رياء وكذب على نفقة الدولة، ومن جيوب الفاسدين الذين يخشون اهتزاز عروشهم، يا أخى فى الوطن إن الله لا يختار الفاسدين ولا يساندهم ولا يمنحهم البركة، إنما يطيل فى أعمارهم ليتوغلوا فى طغيانهم أكثر ليطبق عليهم قوله "إن بطش ربك لشديد"،.. ويا صديقى الثائر الذى يشعر بأن ثورته البيضاء سرقت ولطخ ثوبها أكاذيب السياسيين، لا تحزن فإننا نحسب أنفسنا على الحق والله لا يهدى كيد الخائنين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة