سواء كنت من المؤيدين أو المعارضين، من الذين اختاروا الاستمرار فى حياتهم أو من اختاروا أن تتوقف الحياة لبرهة فى ميدان التحرير.. فهناك قضية عالقة تهمنا جميعا ألا وهى "الدستور" هذا اللغز العظيم المهيب المقدس.. الذى لم ندرك مكانته إلا مؤخرا ولا نرى وجهه إلا فى الكوارث والأزمات.. وغالبا ما نكتشف فى كل مرة أنه يحتاج إلى تغيير أو تعديل أو تطوير.. إلخ. ولا أعرف السر فى تقديسه طالما هو متغير ومتحول بهذا الشكل ويتم تعديله كل يومين.. حتى إن كبار القانونيين شبهوه بـ"المرقع"، وهو وصف لا يجوز على أى شىء مقدس حتى لو كنا من عابدى البقر والنسانيس.. لذلك فالدستور ليس مقدسا كما يظن الكثيرون بل هو مجرد لائحة من القرارات التى تحدد نظام الحكم فى الدولة وتضع شروطا ومعايير لاختيار الحاكم واختصاصاته وصلاحياته، بالإضافة إلى تحديد اختصاصات السلطات التشريعية والتنفيذية ومهام كل منهما.. والوثيقة الدستورية لأى دولة قابلة للتعديل والتغيير المحدود وليس المرقع كما يوصف دستورنا المبجل.. على أى حال فإن تعديل الدستور أو تغييره بالكامل يحتاج إلى طريقة من اثنين أما من خلال تكوين جمعية تأسيس للدستور حيث يتاح للشعب انتخاب كوادر قانونية وشعبية منه ليكونوا ممثليه للقيام بتلك المهمة تحديدا ألا وهى صياغة الدستور أو تعديله بشكل جذرى "أول من أخذ بهذا الأسلوب هى الولايات المتحدة الأمريكية بعد استقلالها عن بريطانيا سنة 1776م". أو من خلال الاستفتاء الدستورى الذى يتم وضعه من خلال لجنة حكومية أو من خلال الحاكم نفسه ثم يعرض على الشعب فى استفتاء عام ولا يتم إقراره إلا بعد موافقة الشعب عليه.. وطوال الفترة الماضية كانت التعديلات الدستورية تتم من خلال لجنة حكومية مشكلة من السادة الوزراء والقانونيين من أبناء الحزب الوطنى ليتم عرضها والاستفتاء عليها من خلال أعضاء مجلسى الشعب والشورى المنتمين للحزب الوطنى.. لذلك ضاع وطنى..
وحتى تمضى الأمور فى ديمقراطية لا يختلف عليها أحد سواء من المعارضين أو المؤيدين، فإننا مطالبون بعمل استفتاء شعبى كامل، إما لأن ننتخب جمعية لتأسيس الدستور أو أن ننتظر تعديلات اللجنة الحكومية ونقوم بعمل استفتاء على ما جاء فيها.. خاصة أننا جميعا متفقين على أن مجلس الشعب الحالى لا يصلح لتمرير أى تعديل فى الدستور لأنه مشكوك فى شرعيته حتى النخاع.. فى النهاية يجب أن نتوقف عن سلبيتنا السياسية المعهودة وألا يضيع دم شهداء المظاهرات هدراً ونحن نتفرج عليهم فى الفضائيات ونتحسر.. وإذا كان المأزق الحالى هو نقل السلطة بشكل دستورى وتعديل الدستور بما يتفق مع مبادئ الثورة العظيمة التى أشعلها الشباب وجمعوا حولهم كافة شرائح المجتمع.. فيجب أن نقف جميعا ونشارك فى تهذيب هذا الدستور من كل عوار ديمقراطى.. وأن يحتوى على شروط متفق عليها لاختيار الرؤساء وتحديد مدة الحكم وأن نطمئن على وضع حدود فاصلة بين السلطات التشريعية والتنفيذية والحاكمة, وأن يكون هناك صلاحيات أكبر للجهات الرقابية والمحاسبية وأن تنفصل عن السلطات الأخرى وتكون قادرة على رقابة ومحاسبة الرئيس المنتظر والمسئولين القادمين لو صدق العهد ونفذ الوعد.. يجب أن ننتبه لكل كلمة فى التعديل وكل ثغرة فى التغيير لأننا لن نثور كل يوم.. ويجب أن نخرج من أمام شاشات الفضائيات أو التليفزيون المصرى وأن نتفاعل جميعا مع الأحداث قبل أن تفطر العزائم وتضعف الهمم ونطالب بسرعة تعديل الدستور بمشاركة مباشرة من الجميع وتحت رقابة جماعية..
أما أن ينحسر الخلاف على عدة أشهر بين مؤيد ومعارض فهذا قد يؤدى لأعوام كثيرة من القهر والصراع وعدم الاستقرار.
ويجب أن ننتبه إلى أن التاريخ يحكى عن موت الكثير من الثورات العظيمة.. لأن الناس حينها تختلف على دور الثورة وحدودها فى التغيير وتنسى أهمية الالتفاف حول أهداف الثورة وتتأخر فى تفعيلها وتنفيذ مهامها على أرض الواقع.. فاتفقوا على شىء من ذلك يرحمكم الله..
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة