فلنتذكر مع شهداء ثورة 25 يناير كل الأسماء العظيمة التى رحلت قبل أن تشهد نتيجة غرسها.
فلنتذكر الدكتور محمد السيد سعيد المفكر العظيم الذى واجه مبارك فى حوار أثناء معرض الكتاب عام 2005، حذره فيه من خطورة الاستبداد، وقدم نفسه باعتباره واحداً من مؤسسى حركة كفاية، وبدلاً من أن يحاوره مبارك حواراً جاداً ومسئولاً استخف بكلامه، وأتذكر ما قاله لى الدكتور محمد عن رد فعل الرئيس مبارك فى نهاية لقائه بالمثقفين، وهو يقدم له ورقتان فقط بمثابة خريطة طريق للإصلاح، قال الدكتور محمد: "لأننى أعرف أن الرئيس لا يحب القراءة كتبت له ورقتان فقط، وبدلاً من أن يأخذهما رد بلفظ قبيح: "حطهم فى..."، ظل محمد السيد سعيد على عهده حتى آخر يوم فى حياته مقاتلاً ضد الاستبداد، بأطروحاته الفكرية الرائعة، وبنزوله إلى الشارع مع مظاهرات حركة كفاية، وظل على يقينه بأن الثورة قادمة لا محال.
فلنتذكر فى حبات هذا العقد المضئ، مفكرنا النبيل محمد عودة الذى عاش سنوات عمره فقيراً إلى الله، لكنه غنياً بحب مصر، وغنياً بمواقفه الصلبة التى ظلت تبشر بمصر الأخرى التى يكتب البسطاء تاريخها، لم يفارق محمد عودة حلم الثورة لحظة واحدة طوال حياته الطويلة، وامتلك ناصية التفاؤل لمستقبل مصر، وظل طوال عمره يؤهل تلاميذه ومحبيه لهذا التفاؤل بحلم الثورة.
فلنتذكر كامل زهيرى الذى ظل على صلابته فى مواقفه، وظل يبحث عن مصر الأخرى كصديق عمره محمد عودة، ولم يفارقه أيضا الأمل فى أن يرى مصر بعافيتها، مصر بشبابها الذين كانوا فى وجدان كامل زهيرى حتى آخر نفس فى عمره.
فلنتذكر محمود عوض الذى سخر قلمه لمحاربة الفساد والمفسدين، وفى عز حمى الخصخصة، كان يحذر من الذين يبيعون ثروة الوطن بأبخس الأثمان، قال هذا فى مقاله الرائد عن بنك الإسكندرية، وعن شركة النصر للسيارات، وكتب عن فسد صفقات القمح، ولم يكن هذا الملف وحده هو الذى يبحر فيه محمود عوض، بل امتد إلى قضايا الديمقراطية والصراع مع إسرائيل، لم يفقد محمود عوض الأمل أبدا فى يوم سيأتى على مصر، ولا أنسى كلمته البليغة: "مصر تمتلك حريتها ربع ساعة كل قرن"، وها هى ثورة 25 يناير التى هلت، لكن الأمل أن لا تبقى ربع ساعة كما قال محمود عوض الذى حارب المرض بالتبشير بالأمل.
فلنتذكر يوسف الشريف الذى عاش فقيراً إلى الله أيضاً، وظل على عهده بمصر التى تقوى حين ترتبط بمحيطها العربى وتضعف حين تخاصم هذا المحيط، ومن خلال تبحره فى تاريخ مصر الأخرى كان أيضا يؤكد أن نور الغد سيأتى من هؤلاء البسطاء الذى تحدث عنهم كما تحدث عنهم كامل زهيرى ومحمد عودة.
فلنتذكر الساخر الجميل محمود السعدنى الذى عرفنا منه مصر الأخرى أيضاً التى تتجذر فى هؤلاء الهامشين الذين تنساهم الحكومات، لكنهم يكتبون تاريخ مصر الحقيقى، فلنتذكره وهو يقول إنه ضمن عظمة جمال عبد الناصر أنه كان رئيس يحمل محفظة فى جيبه حتى آخر يوم فى حياته، وكم تبدو عظمة هذه المقولة ونحن نرى الآن مليارات مصر المنهوبة فى جيوب من حكموها.
فلنتذكر أسامة أنور عكاشة، هذا الكاتب العظيم الذى بشرنا بمصر التى ستأتى يوماً من خلال أعماله الدرامية الخالدة، ومواقفه الصلبة التى لم يتلون فيها أبداً، وظل يبحث عن مكونات الشعب المصرى العظيم.
فلنتذكر المفكر العظيم عبد الوهاب المسيرى الذى لم يجلس فى برجه العاجى، بل قام بتولى مسئولية المنسق العام لحركة كفاية، ورغم مرضه الشديد بالسرطان إلا أنه نزل فى المظاهرات ليضرب نموذجاً فذاً فى كيفية العطاء، وبواسطة رجال شرطة جهلاء تم سحله على الأرض، وبعدها كان يدعو إلى مظاهرة أخرى.
فلنتذكر محمود المراغى الذى عاش ليضرب المثل فى البحث عن الحقيقة، ويقدم الحلول الاقتصادية لمصر دون أن يلتفت أحد من المسئولين إلى ما يقوله.
فلنتذكر آخرين لم يأتِ ذكرهم فى هذا المقال وجميعهم ساهموا فى إشعال ثورة 25 يناير، لكنهم رحلوا قبل أن يروها.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة