يوم الثلاثاء الثالث والعشرين من فبراير 2011، وعبر قناة الحياة خرج علينا السيد أحمد أبو الغيط وزير خارجية الرئيس السابق محمد حسنى مبارك، وهى من المرات النادرة التى أجلس أمام التلفزيون لأتابع لسيادته حواراً كاملاً، ولكن بطبيعة الحال، فأنا متابع لكل ما ينشر عن لقاءاته وحواراته وتصريحاته، ولأنه الأمر الأولى للمشاهدة، فقد كانت معدلات الاستفزاز عالية، للدرجة التى دفعتنى إلى محاولة الاتصال بالبرنامج أكثر من مرة، للرد على ما طرحه سيادته، ولكن لم تنفع المحاولات.
ونظراً لأننى لم أستطع التحمل، والسكوت على ما حمله الحوار من استخفاف، كان لا بد من الرد عبر وسيلة أخرى، ومن هنا جاء هذا المقال، للوقوف على عدد من ملاحظات الاستخفاف والاستغباء التى يتعامل بها معنا الوزير أبو الغيط:
1ـ الموقف من الثورة: بعد مواقفه المشينة من الثورة حتى مساء الحادى عشر من فبراير، وتصريحاته المضادة لمطالب الثائرين، خرج علينا أبو الغيط، ويطلب منا أن نصدقه، أنه كان ثائراً صامداً مثابراً يمسك بيديه آلة حادة، كجندى مجند ضمن قوات اللجان الشعبية، كان يقف بينهم بالساعات هو وابنته، ويحتسى بينهم الشاى، دفاعاً عن أمن الوطن، وحماية الثورة.
2ـ الموقف من إيران: ما زالت أفكار أبو الغيط كما هى لم تتغير، دون إدراك لطبيعة المرحلة الراهنة، وما تفرضه من تحول جذرى فى كل منطلقات وتوجهات السياسة الخارجية الفاشلة العاجزة المنهارة فى حقبة مبارك، وهذا بدا واضحاً عندما أخذ فى تكرار نفس الاسطوانات القديمة، التى لا قيمة لها عن إيران، ففى الوقت الذى كانت معظم الدول العربية تتبادل الزيارات، على أرفع المستويات مع إيران، وتعقد معها العشرات من اتفاقيات التعاون المشترك، كان أبو الغيط يخرج علينا محذراً إيران من التدخل فى شئون الدول العربية، ولا أدرى أية دول يتحدث عنها، لقد قام كل من أمير قطر، ووزير خارجية البحرين والإمارات والسعودية، ووزير دفاع الكويت، ورئيس وزراء لبنان بزيارة إيران، وقام الرئيس الإيرانى بزيارة العراق وسوريا، والجميع يتحدث عن العلاقات الودية، وتوثيق الروابط الأخوية، إلا أبو الغيط الذى يطالب إيران بعدم التدخل فى شئون لبنان والعراق والبحرين والإمارات، فهل هناك تفسير خفى، لا يعلمه مسئولو هذه الدول، ويعلم به معاليه فقط؟
3ـ الموقف من أفريقيا: خرج علينا السيد أبو الغيط مبررا فشل أو على الأقل تراجع السياسة المصرية فى القارة الأفريقية بأن ميزانية وزارة الخارجية فيما يتعلق بالقارة الأفريقية، تبلغ 13 مليون دولار فقط، موزعة على 52 دولة، كما قال، وبطبيعة الحال، هو رقم لا قيمة له، كما قارنه سيادته، بميزانية التحرك الصينى فى القارة والتى أعلن عنها الرئيس الصينى والبالغة 10 مليارات دولار موزعة على ثلاث سنوات، والمطلوب أن نؤمن على كلام السيد الوزير، دون أن نفهم أن دور وزارة سيادته تنسيقى توجيهى فقط، وأن هناك عشرات الوزارات غير القطاع الخاص، يمكن تفعيل دورها، وهو ما لم يقم به. ودون أن نفهم أن هناك عشرات السفارات وعشرات القنصليات وعشرات المكاتب الدبلوماسية المصرية فى الدول الأفريقية، تنفق الملايين سنوياً، دون أن تقوم بما هو مطلوب منها، واقتصر دور معظمها على استقبال الفرق الرياضية، وحضور المباريات للظهور أمام شاشات الفضائيات.
ودون أن نفهم أن هناك تقصيرا دبلوماسياً وسياسياً وقصورا رهيباً فى عمل الوزارة وهيئاتها فى عهد سيادته، ومن خلفه، بعد أن أصبح الاهتمام الرئيس منصب على الشمال الأوربى، والانغماس فى منظمات وهيئات عديمة الجدوى، وتفريغ جهد الخارجية المصرية فى صراعات هشة وحروب كلامية، مع غياب أى دور فاعل فى كل القضايا التى تعاطى معها سيادته وهو على رأس الوزارة.
لقد كان مبرر سيادته، أن طبيعة المرحلة مختلفة، ففى الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، كانت هناك حركات تحررية فى الدول الأفريقية، وكانت مصر تدعم هذه الحركات، والآن لا توجد حركات تحرير، وبالتالى تراجع دور مصر ..!!
أى استخفاف هذا وهل نحن أغبياء لهذه الدرجة حتى يتعامل معنا السيد أبو الغيط، بهذا المنطق؟
4ـ وزير الرئيس: السيد أبو الغيط لم يكن وزيراً لخارجية مصر، ولكنه كان وللأسف مجرد سكرتير للرئيس، فلا توجد سياسة خارجية، ولا تحرك فاعل إلا وفق "توجيهات السيد الرئيس"، ونظراً لأن السيد الرئيس خلال السنوات العشر الأخيرة، كان معتل صحياً ومشغول نفسياً بملف التوريث، فلم تكن السياسة الخارجية محل اهتمام، فكيف يعمل السكرتير دون توجيهات الرئيس. وأصبحت السياسة الخارجية المصرية، مجرد تابع ، ليس فقط لسياسات القوى الدولية الكبرى الفاعلة فى المنطقة، بل تابع لعدد من القوى الإقليمية، التى تحركها بما يتفق وأجنداتها وقضاياها ومصالحها الذاتية، ونظرة بسيطة لدور مصر فى كل القضايا الإقليمية والدولية خلال السنوات العشر الأخيرة فقط، تؤكد ذلك، فى العراق، فى لبنان، فى فلسطين، فى السودان، فى اليمن، فى حوض النيل، حتى المصريين فى الخارج، نالهم ما نالهم، والقائمة تطول.
إن المرحلة الراهنة، من تاريخ المنطقة تشهد زلزالاً ثورياً يمتد من الخليج إلى المحيط، عبر كل الدول العربية، دون استثناء. زلزال أفرز خصائص جديدة وسمات مختلفة، وروحاً مغايرة، وشعوباً ناهضة، وكلها أمور تتطلب سياسات خارجية جديدة، سياسات خارجية للشعوب وليس للحكام، سياسات واعية سريعة متفاعلة، تأخذ بنبض الشعوب وتتحرك مع حركتها، وتراعى مصالحها بالدرجة الأولى، وليس مصالح كراسى القائمين على حكمها، وكلها أمور لا أعتقد أنها متوفرة فى السيد أحمد أبو الغيط، وحتى لا نخسر وزارة من أهم وزارتنا، وركيزة من أهم ركائز تاريخنا ونهضتنا وثورتنا، فيجب أن يرحل أبو الغيط الآن، وليس غداً، وكفانا مهانة وتراجعاً وإهداراً لما يجب أن نكون عليه.
معالى السيد أحمد أبو الغيط، هل وصلت الرسالة؟