لى من سعة الحظ ما جعلنى محاطاً بدائرة واسعة من الأصدقاء الذين أتحاور معهم بكل الوسائل الممكنة لمعرفة ما يدور بأذهانهم حول الوضع الراهن فى مصر، وكان من أشد ما يثير حفيظتى هو التعامل مع ثورة 25 يناير، وكأنها كرنفال انتهى فى يوم 11 فبراير 2011، وعليه نبدأ فى تنظيف الشوارع من مظاهر الاحتفال وترميم الأسوار والأرصفة مما أتلفه المحتفلون!! وراح الجميع يكيلون السباب لمن كان سبباً فى فوضى الشارع المصرى واصفين المجتمع بالهمجية وعدم الوعى!! ولهم فى ذلك قليل من الحق، نظراً لما يعانونه من غياب أمنى وانفلات أخلاقى وتصاعد للجريمة الغير منظمة.
إلا إن هذا المجتمع اعتداد أن يظلم نفسه طبقا لما اعتاده من ظلم وقع عليه طيلة الثلاثين سنة السابقة على عام 2011، فصار يمارسه على نفسه الآن, ولتوضيح الأمر أعود بكم إلى أم الثورات فى العصر الحديث، وهى الثورة الفرنسية، والتى ظلت فى حالة من الغليان لمدة 10 سنوات كاملة 1789 – 1799، وذلك لتشابهها الشديد مع ما حدث معنا فى مصر، ولتكن أمامنا الآن لنرى مجريات أحداثها ونعبر فوق عيوبها.
ساهم مفكرو عصر التنوير فى اندلاع الثورة الفرنسية فقد انتقد المفكرون الحكم الملكى المطلق قاسوا الظلم، وقالوا إن ثورتهم هى لفرض العدل والمساواة. عرف القرن 17 بقيام حركة فكرية نشرت أفكاراً جديدة وانتقدت النظام القديم، ومن أهم زعمائها مونتسكيو الذى طالب بفصل السلطة وفولتير الذى انتقد التفاوت الطبقى فى حين ركز جان جاك روسو على المساواة.
على صعيد آخر اعتمدت فرنسا على النشاط الزراعى، وقد أدى تراجع إنتاج المحاصيل إلى تأزم البوادى، وارتفاع المجاعة وتفشى البطالة بالمدن، مما أدى إلى توالى الانتفاضات انطلاقا من البوداى التى توجت بثورة باريس يوم 4 أغسطس 1789م. فبقيت أساليب الإنتاج الزراعى غير متطورة، وتدهورت التجارة، أما فى الحكم فقد تميز نظام الحكم فى فرنسا قبل الثورة باستحواذ الملك والنبلاء والإكليروس على الحكم فى إطار ملكية مطلقة تستند إلى الحق الإلهى، مع عدم وجود دستور يحدد اختصاصات السلطة الحاكمة
وقد دامت الثورة الفرنسية عشر سنوات، ومرت عبر ثلاث مراحل أساسية:
المرحلة الأولى (يوليو 1789 - أغسطس 1792)، فترة الملكية الدستورية: تميزت هذه المرحلة بقيام ممثلى الهيئة الثالثة بتأسيس الجمعية الوطنية واحتلال سجن الباستيل، وإلغاء الحقوق الفيودالية، وإصدار بيان حقوق الإنسان ووضع أول دستور للبلاد.
المرحلة الثانية (أغسطس 1792 - يوليو 1794)، فترة بداية النظام الجمهورى وتصاعد التيار الثورى، حيث تم إعدام الملك وإقامة نظام جمهورى متشدد.
المرحلة الثالثة، (يوليو 1794 – نوفمبر 1799)، فترة تراجع التيار الثورى وعودة البورجوازية المعتدلة التى سيطرت على الحكم ووضعت دستورا جديدا وتحالفت مع الجيش، كما شجعت الضابط نابليون بونابارت للقيام بانقلاب عسكرى ووضع حد للثورة وإقامة نظام ديكتاتورى توسعى. وكان قد أعلن نابليون بونابرت نفسه إمبراطوراً فى عام 1804، بعد أن خدم كقنصل أول من عام 1799 إلى عام 1804 منهياً بذلك الجمهورية الفرنسية. وبدا ما عرف بحكومة القناصل.
نتائج الثورة الفرنسية:
النتائج السياسية: عوض النظام الجمهورى الملكية المطلقة، وأقر فصل السلطات وفصل الدين عن الدولة والمساواة وحرية التعبير.
النتائج الاقتصادية: تم القضاء على النظام القديم، وفتح المجال لتطور النظام الرأسمالى وتحرير الاقتصاد من رقابة الدولة، وحذف الحواجز الجمركية الداخلية، واعتماد المكاييل الجديدة والمقاييس الموحدة.
النتائج الاجتماعية: تم إلغاء الحقوق الفيودالية وامتيازات النبلاء ورجال الدين ومصادرة أملاك الكنيسة، كما أقرت الثورة مبدأ مجانية وإجبارية التعليم والعدالة الاجتماعية وتوحيد وتعميم اللغة الفرنسية.
من هنا أعود بكم مرة أخرى إلى ما يحدث فى مصر, فنجد الوضع شديد الشبه بين الحالين، فنجد أن استقرار الثورة قد أخذ من الفرنسيين 10 سنوات منذ ما يقرب من 200 عام فى غياب وعى ظاهر لشباب مصر، ووطنية المؤسسة العسكرية التى دعمت الثوار، مع التأكيد على اختلافى مع نواياها السياسية وبصمة عالمية وضعتها الثورة المصرية الناشئة لتصير عن حق أم الثورات فى هذه الألفية، وعليه نجد أننا مازلنا بصدد استكمال الثورة، فهى قد بدأت بخلع الرئيس السابق، ولم تنته عند هذه الخطوة فقد أسقطت رئيساً، وماضية فى طريقها لإسقاط النظام بأكمله، وهو الأمر الذى سيكلف هذا الوطن وقتا ليس بالقليل وجهدا ليس باليسير، بل وقد تسقط أمامنا رموز طالما صدقناها، وتبزغ أمامنا قامات لم نكن نعرف عنها شيئاً.
إن الرهان الحقيقى هو على الشعب العظيم الذى يتوجب عليه الصمود وعدم اليأس والتيقن قبل إطلاق الأحكام، وأن يصبر حتى يجنى ما زرع.. قد نستمر فى هذا الوضع من التخبط وعدم الاستقرار لشهور 6 قادمة، وستلوح البشائر فى يوليو القادم، وستنجنى ثمار الثورة الناضجة لا الناشئة خلال سنتين، ومن يريد أن يعرف لماذا.. فليؤكد لنفسه أولا أنها ثورة وليست كرنفالا، ولينتظر المقال القادم.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة