بالطبع هناك فلول للنظام السابق، وهناك مستفيدون من النظام وفاسدون بمعرفته.. كل هؤلاء يسعون للهرب من الاتهامات بالفساد، أو عرقلة التغيير الذى يمكن أن يطيح بمكاسبهم التى اغتصبوها. لكن الأخطر من بين الفلول هم هؤلاء الذين سوف يسارعون لارتداء ملابس الثورة والحديث بلسانها، وهم من يمكن تسميتهم الثورة المضادة، على عكس كثيرين يتصورون أن الثورة المضادة، هو هجوم عكسى.. وفى الغالب فإن القافزين على الثورة يكونون الأعلى صوتا والأكثر قدرة على المزايدة.
ولأن على رأسهم بطحة فإنهم سوف يبالغون فى رفع الصوت حتى يقولوا إنهم هم الثورة.. الثورة المضادة تنمو فى مناخ من التخوين والاتهامات المجانية، لا يسمح بالتفكير الطبيعى ويضمن اختلاف الرأى دون خوف.
لقد أصبحت كلمة فلول النظام السابق أسهل طريق للتعبير عن وصف المخالفين فى الرأى لبعضهم، بالرغم من روح ثورة التحرير التى وحدت كل فئات الشعب المصرى.
من الطبيعى أن يختلف الناس وأن يتوزع المشاركون فى الثورة إلى اتجاهات وتيارات وتنظيمات كل حسب اتجاهه مع الاتفاق على أهداف لاتمنع الاختلاف فى التفاصيل.. وأن يعترف كل تيار بحق الآخرين فى الاختلاف وإبداء الرأى دون خوف.. فقد كسرت روح الثورة الكثير من الخوف، وأيضا الإحباط الذى عشش لسنوات فى نفوس وقلوب الكثيرين.
لقد قامت ثورة يناير من أجل الحرية وفى مواجهة قمع حرية الرأى والتعبير، ومن أجل العدالة والمساواة، والارتداد عن كل هذا باسم الثورة هو عين الثورة المضادة.
والنظام السابق ليس فقط هو حسنى مبارك أو جهاز مباحث أمن الدولة والحزب الوطنى، النظام السابق هو طريقة فلا الإدارة والتفكير تستبعد المواطنين وترفض الاعتراف بحق الآخرين فى أن تكون لهم وجهات نظر مختلفة، وتمنع الناس من إبداء رأيهم أو امتلاك حرية الانتقاد والنقاش.. النظام السابق كان يعتبر نفسه هو فقط الصواب وممثل المصلحة والباقين "مش فاهمين"، ولا يعرفون مصلحتهم، كما أنه كان يعتبر كل من ينتقد أو يعترض مندساً يعمل لصالح جهة أجنبية.
كل هذه المفاهيم لاتزال تعشش بيننا، نراها على صفحات الفيس بوك، حيث بعض الجماعات تعتبر نفسها ميزان الحق والصواب والباقين مش فاهمين.. ونراها فى المناقشات التى تدور حول التعديلات الدستورية من يرفضها "مش فاههم"، من وجهة نظر الذين يؤيدونها، ومن يؤيدها"مش فاهم" من وجهة نظر من يرفضونها.
رأينا جدلا فى نقابة الصحفيين، وبعض من يتحدثون باسم الثورة اتهم من يختلفون معهم أنهم مندسون، وكان هذا فى ندوة عقدت للدكتور محمد البرادعى لم يحضرها، اختلف الحضور حول ما إذا كان البرادعى زعيم الثورة أم أحد مطلقيها.. فشن كل فريق هجوما على الآخر. وعدنا لنسمع كلمة قلة ومندسة، وقبلهما كان نقاشا حول الدستور وتحدث أحدهم عن حقوق الأقباط فاتهمه أحد زعماء الائتلافات بأنه "أمن دولة".
هذا الجدل نراه ونسمعه فى التليفزيون والفضائيات، وفى الشارع، حيث يعجز كثيرون عن الاشتراك فى حوار إلى نهايته، دون أن يطالب كل طرف الآخرين بتبنى وجهة نظره. أو يعين نفسه معيارًا للصواب.
النظام السابق ليس حزبًا أو جهازًا لأمن الدولة إنه طريقة تفكير لاتزال تعشش، وتنجب الديكتاتورات باسم الديمقراطية.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة