فى منشية ناصر، وقف المسلمون والمسيحيون يتلقون العزاء معا، فى ضحايا الاشتباكات الدامية التى وقعت خلال الأيام الماضية، وراح ضحيتها 13 مصريًا وأصيب فيها مائة وعشرة آخرون، وتعالى الهتاف من القلوب " يحيا الهلال مع الصليب"، حتى لتتعجب، كيف برزت الفتنة وسط هذه الروح المصرية الخالصة، الروح المتسامحة أفعالا لا شعارات!
وفى قرية "صول" مركز أطفيح بحلوان التى تصدرت المشهد مؤخرا، بعد جريمة هدم كنيستها، يقسم المسلمون والمسيحيون أن الخلافات التى أدت بالبعض إلى هدم الكنيسة، ظهرت فجأة كأنها فعل شيطانى، أدى ببعض الشباب إلى تصديق شائعات أن بعض الكهنة يقومون بأعمال السحر للمسلمين، وفى غمرة التهور، استمع الشباب إلى من هتف فى آذانهم بضرورة ارتكاب جريمة هدم بيت يعبد فيه الله، ثم رجعت الأمور إلى سابقتها واكتشف المسلمون والمسيحيون فى القرية أن ما حدث كان أمرًا غريبًا أشبه بالمرض، وعندما انتهت أعراضه أفاقوا مما كانوا فيه!
أمام ماسبيرو، وقف الآباء الكهنة وآلاف المسيحيين يحيطون بالمسلمين الذين يشاركونهم الاعتصام من أجل إعادة بناء كنيسة صول ومحاسبة هادميها، وقفوا يحيطون بالمسلمين الذين يؤدون شعائر صلاة الجمعة فى عرض الشارع، فى مشهد مهيب يدفع الدموع للتدفق من العيون إجلالا أمام تلك الحالة المصرية التى يأبى الطابور الخامس ومهندسو الثورة المضادة إلا أن يكسروها بالفتنة والعنف.
لا أقول مع القائلين بأن كل شىء تمام وأن لا مشاكل بين المسلمين والأقباط حول الأمور المتعلقة بالمساواة والحريات الدينية، ولا أقول إننا جسد سليم تماما من أمراض التعصب، لكنى أقول إن هناك من عمل فعليا على مدى عقود على نشر ثقافة التعصب لتصبح مرضا عضالا فى جسد الأمة المصرية وتحويل المسيحيين إلى أقلية وهم جزء لا يتجزأ من نسيج هذا الوطن، ثم تصدير الأمر باعتبارهم أقلية مضطهدة والانتهاء بأن النظام هو الذى يسبغ عليهم الحماية، وذلك تفعيلا لدور الدولة الأمنية فى السيطرة وتفتيت المجتمع إلى جزر منعزلة.
الدولة الأمنية التى شهدت أبرز ظهور لها فى عهد مبارك حولت المسلمين بدورهم إلى متطرفين ومعتدلين وأغلبية مهمشة لا صوت لها، وخوفت الجميع بفزاعة الدولة الدينية كما عملت على إجهاض محاولات إقامة مجتمع مدنى قوى، واعتادت تشويه رموزه واتهامهم بتلقى التمويل من الخارج.
هكذا أفسدت الدولة الأمنية فى عهد النظام السابق المجتمع المصرى، وارتكبت الجرائم حتى تتفرق عناصر القوة فى المجتمع، الأمر الذى كسرته ثورة 25 يناير ووحدت طاقة المصريين باتجاه إسقاط النظام الأمنى الفاسد، وكان لابد وأن تعمل فلول هذا النظام على الالتفاف على الثورة وكسر وحدتها، فلم تجد إلا أخبث السيناريوهات وهو إشعال الفتنة الطائفية وتفريغ الثورة من أهم مضامينها، لكن المجتمع بالفعل استوعب الدرس سريعا وهاهو ينهض ويكتم جراحه ملتفتا بالعقاب إلى أعدائه الحقيقيين.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة