د. بليغ حمدى

إحنا بتوع الميدان!

الأحد، 13 مارس 2011 06:59 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
من أبرز ما أفرزته ثورة يناير التاريخية وما تلتها من أحداث ومساجلات يومية بزوغ نظرية معرفية جديدة اسمها نظرية خيانة الوطن، وليست المؤامرة كما اعتدنا على سماع هذه الكلمة منذ نهايات القرن التاسع عشر، لكن النظرية الجديدة ومنظريها اعتادوا على تخوين المختلفين معهم دون حجة أو برهان قاطع يؤكد اتهامهم لهم بالخيانة.

فبعد ثورة الميدان التى أدت إلى إحداث تغييرات فى الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية اهتم البعض بتثوير آرائهم وأفكارهم التى ربما ستظل هامشية بعد استقرار الأمور فى مصر، ولأنهم يهيمون عشقاً بالنقد ومستهيمين بتشويه الآخرين راحوا يخونون هذا الوزير، وهذا المدير، وذاك المسئول، فى الوقت الذى ظننا أن النظام مختزل فى رجل واحد وهو الرئيس السابق حسنى مبارك، لكننا أدركنا أن للنظام خيوطاً طويلة ومعقدة ومتشابكة هم الأولى باتهامهم بخيانة الوطن.

هذى السطور السابقة جاءت نتيجة منطقية لحالة الامتقاع التى أعيشها وبعض أبناء جيلى من تخوين بعض الرموز الوطنية، وامتقاعى يأتى من أن مطالب الشباب بدأت تتحقق والتى أؤكد أنها سيصل سقفها قريباً إلى محاربة إسرائيل ذلك الكيان الصهيونى المتربص بنا، وربما سيصل سقف بعض المطالب إلى حد الهوس بإسقاط المجلس العسكرى. إن الأمر جد خطير، وإذا كانت نداءات المثقفين بخاصة وجموع المواطنين الذين يحلمون بإعادة بناء الوطن تحلق فى اتجاه واحد وهو تعمير وتحرير الوطن من الفاسدين والمفسدين، فلنترك هذه المهمة لرجالاتها وأعنى النائب العام والدكتور جودت الملط رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات، وبواسل القوات المسلحة أصحاب انتصار أكتوبر المجيد وأبنائه.

إن عملية القلب المفتوح التى تمر بها البلاد فى الوقت الراهن لا تتحمل مزايدات أحزاب وجماعات وفئات لا تستمد شرعية من الشارع أو الدستور المعطل لحين تعديله، لقد أصبح معظم المرابطين بالميدان التاريخى وببعض الشوارع الفرعية التى حملت روح الثورة مصرين على فعل التواطؤ لصالح فئات قد أراها ويراها غيرى تضر بالبلاد.

وكلما أسمع عن وقفات احتجاجية فئوية من بعض العاملين بالهيئات والمصانع والشركات، وكلما أسمع من شباب وطنى الجميل بعض المطالب العجيبة التى كان آخرها المطالبة برحيل الفريق أحمد شفيق، أظن ظن اليقين أننا نسير نحو هاوية سحيقة، فالشباب أصبح فريسة لكل من يحمل بوقاً وميكروفوناً كبيراً ما دام صاحباً لصوت المرتفع يحمل ويحتضن علم مصر فالبعض يسير خلفه غير مبال بما يطلبه هذا الصوت.

ناهيك عن أولئك المتربصين بالوطن من الداخل وليس من خارجه كما اعتدنا ذلك فى عهد مبارك فهذا يدعو إلى دولة دينية محضة، وذلك يدلل على علمانية السلطة وفصلها عن الدين، وثالث يؤكد أنه يحمل أجندة إصلاح ستصل بمصر إلى تصنيع الأقمار الصناعية تحت بير السلم، ورابع اكتشف فجأة أنه رجل هذا الزمان فقرر إنقاذ مصر برؤيته للدولة المدنية الحديثة، وأهلنا وعشيرتنا من الإخوان المسلمين بدءوا عن قصد وجهد فى تجهيز العدة والعتاد وإطلاق إسبراى المرونة فى أفكارهم وآرائهم من أجل أغراض يعلمها أعضاء مكتب الإرشاد وحدهم. وأيضا رجال الحزب الوطنى الذين لا أعلم أين أراضيهم الآن بعد معركة الجمل راحوا ينتشرون من جديد بوجوه جديدة وسط الميدان التاريخى، محاولين استقطاب عصافير ونسور وصقور جدد بدلاً من الوجوه القديمة الكالحة والمالحة.

إن هذه المؤشرات تؤكد أن الحياة المصرية الاجتماعية قد تتعطل شهوراً طويلة بسبب حالات اللغط السياسى والفكرى وانتشار موضة التخوين والخيانة الوطنية، لكن الحراك السياسى لن يتعطل، لاسيما وسط الغياب الأمنى المقصود، لقد اختفت سمة الخوف لدى المواطنين دونما رجعة من سطوة بعض رجال الأمن إلى أجل غير محدود، فماذا ستفعل الهراوات الخشبية والكهربية بوجوه غاضبة لا قلب لها، وماذا سيفعل الرصاص المطاطى بأجساد صلبة ضاق بها الحال؟.

إن الأيام القادمة لاشك عصيبة وتحتاج منا جميعاً وعياً شديدا بخطورة المرحلة، خصوصاً وأن أحداثها تمر وتتخلل بين أصابعنا خلسة وسط تكهنات وأحداث برلمانية ورئاسية مرتقبة، والكل بعد أن كان همه الشاغل مطالب الحياة المنزلية من طعام وشراب وفواتير كهرباء ومياه وتليفونات وأقساط لا تنتهى، نقل المنزل إلى الشارع فأصبح يتنفس سياسة ويستنشق هواء الحرية بالميادين.

وسيظل الشارع المصرى فى الأيام القادمة بانتظار التعديل الوزارى المرتقب، ولو أنك سألت واحداً من أهل هذا الشارع عن فائدة هذا التغيير وأهميته لما وجدت إجابة واضحة ومحددة لديه، بل هو يرغب فى التغيير كما يأمل سراً فى تغيير زوجته، أو سيارته، أو لون غرفة نومه، بدليل أنك لو طلبت من عشرة أشخاص مثلاً يجلسون فى مصلحتهم الحكومية الروتينية، أو وهم جلوس على أحد المقاهى عن بعض الأسماء التى يرشحونها لتولى منصب وزير قادم، ستكتشف أن بعضاً منهم يذكر لك أسماء بعيدة تمام البعد عن العمل السياسى أو الحزبى.

ولأن هذا الشعب مؤهل تماماً لتقبل الغموض، فسوف يعانى هوس ظهور إصابات جديدة محتملة من أنفلونزا الاتهامات وتخوين بعض الرموز، لما يطالعه وسيطالعه يومياً من أخبار تتعلق بهذا الفيروس اللعين، وبرغم من أنه حفظ ووعى تماماً طرق الوقاية منه، إلا أنك ستجده أكثر سؤالاً واستفساراً عنه، وما هى مسبباته وأعراضه، وطرق الوقاية منه.

كما أن مساجلات الميدان اليومية أنجبت أحداثاً كثيرة متوقعة، انتخابات وأحلاماً ومغامرات وهوساً إلكترونياً، ومناقشات عن جامعات تبحث عن جودة فقدتها منذ أعوام، وتعليم ما قبل الجامعى مهموم بعقد المؤتمرات والندوات وورش العمل من أجل رفع كفاءة المعلم الذى هو فى الأساس متهم بالغش فى امتحانات الكادر السابقة وإن شاء الله اللاحقة، وفى ظل هذه كله سيخرج عليك رجال يسألون عن أسباب عدم رؤية برنامج خواطر الشعراوى، أو برنامج العلم والإيمان، بل سيستفسرون عن عدم ظهور الدكتور مصطفى محمود لأن أغلبهم لم يعلموا بخبر وفاته يوم انعقاد مؤتمر من أجلك أنت، ولعله يأتى يوم يقيم فيه المواطن المحزون مؤتمراً خاصاً به شعاره: متى تعجل بى يا الله؟.

وربما ستشهد الأيام المقبلة دراويش جدداً يطمحون فى اعتلاء سدة الحكم فى مصر، وربما سيهبط علينا أقوام من الهند والسند وبلاد تركب الأفيال من أصول مصرية بحجة التطوير والتغيير وتنمية الوطن الذى لم يعيشوا فيه سوى فترة دراستهم الجامعية.

دهشة :

لشعبنا المصرى الجميل كلمة، انظروا ما يحدث بشوارع تونس التى كانت خضراء يوماً، وما أصابها من هوس التدمير والحرق والتخريب، وكأنها لم تكن يوماً أرضهم ووطنهم، ولعلها فرصة طيبة لنا أن نتحد ونتكاتف ضد أى نازع داخلى أو خارجى يستهدف وحدة هذا الوطن القوى، أما تونس فربما ننتظر طويلاً حتى يخضر زرعها من جديد.










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة