أعرف عديداً من المهمومين بمصلحة هذا الوطن يوافقون على الاستفتاء بنعم على التعديلات الدستورية المقترحة، ومبررهم فى ذلك ليس نصاعة التعديلات، ولا قدرتها المعجزة على التحول بمصر من حال إلى حال، ولكن خوفهم من طوال فترة الريبة التى تحياها مصر وبحثهم عن أسرع الطرق إلى استقرار الأوضاع، ويشاركهم فى الرأى أطياف سياسية مختلفة تجد من مصلحتها الإسراع بالعملية الانتخابية، وفى مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين، التى يطلب قادتها طى صفحة النظام السابق والإسراع بإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، والمضى قدماً إلى عهد سياسى جديد، تتحقق فيه الديمقراطية والمساواة، دون إقصاء لتيار أو فصيل أو مجموعة بناء على معتقداتها الفكرية أو السياسية.
أيضا، يقف كثير من الناس حائرين مرتبكين أمام الاستفتاء على تعديل الدستور، فلا يعرفون هل يصوتون بنعم لإقرار التعديلات أم بالرفض، ويتخوفون كذلك من الموقفين، هل يؤدى تصويتهم بالإيجاب فعلا إلى استقرار الأوضاع والتحول إلى وضع أفضل لأنفسهم وللبلد، أم يؤدى الرفض إلى مأزق جديد ومحنة أخرى نحن فى غنى عنها؟ وقد علمت عبر زملاء فى المنيا والمنصورة وقنا وسوهاج والشرقية والإسكندرية أن المزاج العام للناس لا يمكن حسبانه على القبول أو الرفض للتعديلات المقترحة، وإنما ينتظر معظمهم إشارة أو علامة واضحة يسيرون خلفها مطمئنين إلى أنهم فعلوا الأفضل، لكن اللافت حتى الآن هو ارتفاع معدل الرغبة فى المشاركة فى الاستفتاء.
من ناحية ثانية، أخشى ومعى كثيرون، من حالة الفراغ السياسى والدستورى التى نمر بها الآن، كما أخشى أن يؤدى هذا الفراغ إلى ظهور خطر حقيقى على ثورة 25 يناير ومكتسباتها السياسية، بما قد يؤدى إلى إطلال النظام السابق برأسه من جديد، ومرد ذلك عدة أمور فى مقدمتها النقاط الآتية:
- عدم وجود أى إعلان رسمى لتنحى أو خلع أو إزاحة مبارك عن رئاسة الجمهورية، فلا هو أعلن تنحيه صراحة ولا قدم استقالته إلى مجلس الشعب، كما ينص الدستور، كما لم تنشر الجريدة الرسمية المنوط بها إشهار قرارات الدولة والحكم أى إشارة إلى هذا التنحى، فى سابقة خطيرة قد تعنى فيما تعنى أن مبارك مازال جاثماً على أنفاسنا حتى الآن.
- أن المجلس العسكرى الحاكم الآن لا يستمد شرعيته إلا من ثورة 25 يناير، وليس لمبارك أن يفوض إليه سلطة الحكم، حسب الدستور الذى كان قائماً إبان حكمه، وشرعية الثورة تجب نظام مبارك ودستوره، فعلى أى أساس يطلب المجلس العسكرى تعديل الدستور الساقط ووفق أية شرعية؟
- ثورة 25 يناير أسقطت مبارك ونظامه وحزبه الحاكم والدستور الذى كان يحكم من خلاله وأركان حكمه هذه كل لا يتجزأ، ولا يصح أن نستعيد جزءاً من أركان الحكم الساقط لنجرى له عمليات إحياء أو تعديل جزئية، وبحسب أساتذة القانون الدستورى، فالدستور الساقط بالثورة لا يعود.
- فتح باب التعديلات الدستورية على الدستور الساقط، يفتح الباب لإسباغ الشرعية من جديد على كل أو بعض أركان النظام السابق، بما فيها مبارك نفسه، فما الذى يمنع من ظهور مبارك الآن ليعلن أنه لم يفوض أحداً فى سلطاته أو أنه يعفى المجلس العسكرى من مهمته المؤقتة ويعود، وفق شروط ما، إلى سدة الحكم، أو حتى ينكر تكليفه عمر سليمان بإعلان خطاب التنحى؟
ما أريد قوله، إن شرعية الثورة الآن فى موضع الاختبار، وهو الأمر الذى قد لا يلتفت إليه كثير من الشباب وفئات المجتمع الذين شاركوا بها، وأى تعديل فى مواد الدستور الساقط وكل أمر ينبنى على هذه التعديلات قد يفتح الباب للالتفاف على الثورة وإجهاض مشروعيتها وأهم أهدافها، كما يفتح باب الطعن فى الأجهزة الحاكمة الآن وما يصدر عنها من قرارات، ويضعنا الآن أو بعد حين أمام محنة كبيرة تلحق بنظام الثورة وقراراته الاتهام بعدم الشرعية.
ومن هنا أطالب من باب درء الضرر تسجيل خلع أو تنحى مبارك فى الجريدة الرسمية، ووقف الاستفتاء على تعديلات الدستور الساقط، وكذلك تشكيل لجنة من المفكرين وفقهاء القانون لوضع دستور جديد فى زمن لا يتجاوز ثلاثين يوماً انطلاقاً من دساتير 1923 و1954 و1971، وبالنسبة للدستور الأخير يمكن العودة إلى نسخته الأصلية التى وضعتها اللجنة المشكلة وليس ما وضعه السادات منفرداً.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة