لا صوت يعلو فوق صوت التعديلات الدستورية، فى مختلف وسائل الإعلام وفى عربات المترو وعلى المقاهى جدل لا ينتهى حول جدوى التعديلات الآن إذا كان البرلمان المنتخب سيتم حله فور إعداد دستور جديد، وحول مبدأ الاستقرار تحت أى ظرف، الذى ترفعه بعض القوات السياسية وكأنه مطلب لذاته، بصرف النظر عما يمكن أن يؤدى إليه.
الملاحظة الأولى فى هذه الجدل المحتدم، انه لم يساعد الأغلبية الشعبية المترددة على بلورة موقف واضح تعلنه فى استفتاء الغد، فالحيرة والارتباك غالبان على الناس الراغبين فعلا فى المشاركة وبدء مرحلة جديدة من العمل السياسى فى مصر، يكون صوت الجماهير فيها ليس مسموعا ومؤثرا فقط بل غالبا ومحددا.
الملاحظة الثانية، أن الجدل حول التعديلات الدستورية، قد انتقل من هدفه الأول المعلن، وهو توضيح أبعاد الصورة للجماهير حتى يكونوا على بينة من الأطر الحاكمة لحياتهم فى هذه المرحلة الانتقالية، إلى نوع من الصراع والاستعراض بين القوى السياسية المختلفة، فجماعة الأخوان والحزب الوطنى وعدد من التيارات مع تيارات منتمية بصورة أعمق لثورة 25 يناير، على اعتبار أن الانتصار فى هذه المعركة يعنى استتباب الأمر للجماعة وقواعد الحزب الوطنى التى مازالت مستقرة وجاثمة فى المحليات "المزورة" بطول البلاد وغرضها وهد المكتسبات التى حققتها الثورة.
والله وحده أعلم بما يمكن أن يسفر عنه تحويل نتائج الاستفتاء إذا كانت "نعم " إلى إعلان انتصار لتحالف الإخوان وفلول الوطن والسلفيين لقيادة الحياة السياسية فى المرحلة الانتقالية والهيمنة على ما سيتلوها من انتخاب جمعية تأسيسية ووضع دستور جديد للبلاد ومن ثم انتخاب برلمان جديد يمارس مهام على مدى 5 سنوات مقبلة.
الملاحظة الثالثة فى هذا الجدل، هو بروز الاستخدام الدينى بوضوح إلى حد الفجاجة، بدءا من إدعاء أن التصويت بـ "نعم" هو مع الشرع الحنيف ،عكس التصويت بـ "لا" طبعا، أو اعتبار أن التصويت بـ "نعم" يعصم صاحبه من النار أو فيه مرضاة لله ورسوله، ووصل الأمر بأصحاب التيارات السلفية والمنتسبين لجماعة الإخوان إلى نشر أخبار وإعلانات تقرن التصويت بـ " نعم" بالنهج الإسلامى الصحيح، وهو أمر لو تعلمون خطير، إذ يكشف مباشرة عما يمكن أن تضفيه هذه التيارات صيغة دينية على كل ممارسة سياسية بحته، لتفسد بذلك على الناس دنياهم وفهمهم لطبيعة الدين ودوره معا!
من جانبى أدعو للمشاركة بقوة فى استفتاء الغد بصرف النظر عن موقفى المعارض للتعديلات، فهذا الاستفتاء، بداية مشوار طويل وممتد على الجماهير أن تقطعه لاختيار نظام الحياة الذى تريده لنفسها وأيا كان النتيجة المعلنة يوم الأحد، علينا جميعا أن نحترمها وأن نقبلها وأن يعمل كل منا على توظيفها التوظيف الأمثل لإقامة دولة مدنية ديمقراطية فى مصر.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة