بالأمس كانت الطوابير حلوة رغم سابق العداوة التى تربطنا نحن المصريين بها، وكان الانتظار ممتعاً بعد أن ظل لسنوات رمزاً للملل، وكان للزحمة طعم آخر غير الضيق الذى كنا نشعر به من قبل.
بالأمس كان هناك نوع آخر من المتعة التى كانت مفقودة.. متعة النظر فى وجوه وملامح مرتاحة لا تخشى من ضربة عسكرى، ولا تخاف على صوتها من الدخول فى الصندوق، وهو يقول "نعم"، والخروج منه وهو يقول "لا" أو العكس.
دعك من الاستفتاء ونتائجه حتى لا تشغل بالك عن ذلك الحدث المهم، والذى يمكنك أن تلخصه فى الخروج الاختيارى من المنزل، والوقوف الاختيارى فى الطابور من أجل الإدلاء بأصوات كان الناخبون يدفعون فى الواحد منها ألف ويزيد، ويأتون بالسيارات لتأخذ صاحب الصوت من فوق السرير إلى أمام الصندوق.. ركز مع اكتشاف الشعب المصرى لنفسه ولحقه، ومع ذلك الإيمان الذى بدأ يترسخ داخل كل واحد فينا بأن صوته أصبح له قيمة.. أو بأنه نفسه أصبح له قيمة.
كان كل شىء بالأمس ممتعاً، وكانت التجاوزات قليلة ومحزنة، ولكن يمكنك أن تمحوها بصور أخرى من التحضر والتفاهم والاحترام ملأت كافة اللجان فى مختلف محافظات مصر، هل كان أحدكم يتخيل أنه قد يترك زوجته أو ابنته أو أخته فى يوم من الأيام تذهب بمفردها أو حتى معه إلى لجنة انتخابية؟.. أجب على هذا السؤال، وستعرف ما الذى تغير وما الذى كسبته مصر من يوم الاستفتاء أمس؟
كان كل شىء بالأمس ممتعاً إلا هؤلاء الذين حولوا الاستفتاء إلى معركة دينية يخوضونها باسم الله أو الرب، وهؤلاء الذين استسهلوا اتهام المخالفين معهم بقلة الوعى والفهم، كان كل شىء ممتعاً وكاشفاً عن أن بعض المسئولين والكبار فى البلد لم يصلهم أن ثورة ما قد حدثت فى مصر، محافظ القاهرة ومرشد الإخوان كانوا من ضمن هؤلاء الذين لم يفهموا أن للطابور احترامه وأن المنصب أيا كان نوعه لا يعطى لصاحبه حق تجاوز الآخر فى طابوره إلا بعد استئذان.
سأطلب منك الآن أن تلخص فى خانة التعليقات رؤيتك فى أحداث يوم الاستفتاء، وملاحظاتك على ما حدث، ولكن قبل أن أتركك لتفعل ذلك اقرأ أنت ما دونته من ملاحظات:
1- الحرص على المشاركة والإحساس بالمسئولية وبأن الصوت أمانة أهم مكاسب 19 مارس، سأقول لكم إن سيدة عجوز ذهبت لتدلى بصوتها وخدعها أحدهم وجعلها تضع العلامة على نعم بينما كانت هى تريد أن تقول لا، وحينما خرجت وفهمت ما حدث نزلت الدموع من عيونها، وبكت بحرقة من فقد عزيز، وظلت على حالها حتى خرج قاضى اللجنة وتفهم الأمر وعالج الموقف بشكله القانونى وأعاد للمرأة صوتها المنهوب.
2- استخدام الدين ورفع شعار وجوب التصويت بنعم كان أسوأ ما حدث أمام مختلف اللجان، لأن الأمر أصبح فى لحظة حرباً دينية يخوضها التيار الإسلامى بشعار نعم، خوفاً من إلغاء المادة الثانية، وتمكين المسيحيين من الوصول للرئاسة، وخاضها المسيحيون بشعار لا خوفاً من التيار الإسلامى وما قد يطوره ويفعله بالمادة الثانية.
3- اكتشف أهل اليسار والليبرالية أنهم فى حاجة إلى مراجعة دفاتر حسابتهم وإعادة اكتشاف مواطن الخلل فى علاقتهم مع الشارع، بعد أن اتضح أن الإخوان والجماعات الإسلامية كانوا الأكثر انتشاراً وتنظيماً.
4- المصريون نجحوا بإمتياز فى أول اختبار ديمقراطى حقيقى، وستكتمل صورة هذا النجاح بعد ظهور النتيجة حينما يجتمع الطرفان على وضع تصورات للمرحلة القادمة، تضمن إنقاذ مصر ورسم خطة إصلاح وبناء نظام ديمقراطى حقيقى.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة