شاءت الظروف أن تندلع الثورة الشعبية فى كلٍ من ليبيا واليمن فى توقيتات متقاربة ، حتى إن الثوار اتخذوا شعارات تربط بين الثورتين مثل "يا على كافى كافى وارحل قبل القذافى".
فمع أن على عبد الله صالح والقذافى أكثر الزعماء العرب نفوراً أحدهما من الآخر، فإنه تجمع بينهما صفات شخصية سياسية كثيرة أبرزها التشبث بالسلطة إلى أبعد مدى، ضاربين بإرادة شعوبهما عرض الحائط، كما يلتقيان معاً فى رغبة كل منهما فى توريث الحكم لابنه من بعده، أما الشعبان الليبى واليمنى فيشتركان فى كونهما ضحايا لأنظمة قمعية فاسدة لا تؤمن بحق الشعوب فى العيش بحرية وكرامة..
فكانت النتيجة المنطقية والحتمية تلك الحرب المأساوية التى تدور رحاها حالياً بين شباب أعزل وآلة حربية غادرة يسخرها قادة البلدان لقتل مواطنيها، فى مشاهد دموية رهيبة لن يغفرها لهما التاريخ أو الشعوب الثائرة.
مع استمرار الثورة الشعبية فى اليمن للشهر الثانى على التوالى بدأ الشباب اليمنى يكتسب مزيداً من الخبرات التى نقلها من تجارب الشباب المصرى والتونسى، وتوسعت دائرة التعاطف الشعبى مع مطالبهم، وتعهدت بعض القبائل بحمايتهم فى ميدان "التغيير" المجاور لجامعة صنعاء الذى تحول إلى مقر دائم لاعتصاماتهم بعد أن نجحت أجهزة الأمن والبلطجية التابعون لها فى إبعادهم بالقوة من ميدان "التحرير" وسط العاصمة اليمنية، وتسليمه إلى مؤيدى الرئيس صالح المنتفعين الذين بدورهم حولوه إلى مقر دائم للتعبير عن رغبتهم ببقاء الرئيس اليمين فى السلطة إلى الأبد!!
وتتكرر فصول المسرحية الديكتاتورية الهزلية بنفس الترتيب والسيناريو، وتحت الضغط الشعبى المتصاعد اضطر الرئيس على عبد الله صالح إلى تقديم برنامج إصلاحى وعد خلاله بعدم التجديد لفترات رئاسية أخرى بعد انتهاء فترة حكمه فى 2013 ، ووضع آليات تضمن انتقالا سلساً للسلطة وفقاً للقواعد الديمقراطية.. لكن المعتصمين لم يثقوا بتعهداته ووعوده فى ظل تطلعات ابنه أحمد لتسلم السلطة من والده بعد أن أحكم قبضته على الحرس الجمهورى المسئول عن حماية أمن الرئيس وأحد الأذرع القوية فى الجيش اليمنى والتى تدين بالولاء المطلق للرئيس على عبد الله صالح.. جهود الرئيس ومناوراته الأخيرة لم تزد المعتصمون إلا تمسكاً وإصراراً على تنفيذ مطالبهم، وعدم مغادرة الميدان قبل إسقاطه هو ونظام حكمه.
المفارقة التى كشفها لى مسئول يمنى رفيع أن مصر كانت تدير حواراً سرياً بين أقطاب المعارضة اليمنية فى الخارج التى يتزعمها كل من رئيسى اليمن الجنوبيين السابقين على سالم البيض وعلى ناصر محمد، إلى جانب عدد من زعماء القبائل الشمالية المهمة.. ففى نهاية العام الماضى حضر وفد كبير إلى القاهرة واجتمع مع الرئيس السابق حسنى مبارك وتم الاتفاق على دعوة الرئيس اليمنى لعقد اجتماع موسع فى القاهرة.. ويا لغرابة القدر الذى شاء أن يتم تحديد 25 يناير موعداً لمراجعة القواعد والأسس التى قامت عليها الوحدة الاندماجية بين شمال اليمن وجنوبه فى مايو عام 1990 ..فى أعقاب نجاح الثورة وانشغال مصر بأحداثها الداخلية لجأت المعارضة اليمنية إلى المملكة العربية السعودية لتحل محل مصر فى استكمال مشوار التفاوض بينهم وبين الرئيس على عبد الله صالح، على أساس البحث فى مشروع "الفيدرالية" الذى كانت مصر تتبناه، وأوشكت على إقناع صالح بجدواه، كبديل عن الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب.
إذا كانت المعارضة اليمنية وجدت من مصر آذاناً مصغية لدعم مشروعها لإخراج اليمن من أزمته التى وضعها فيها نظام الرئيس على عبد الله صالح طوال فترة حكمه التى امتدت إلى 33 عاماً ، فإن المعارضة الليبية لم تجد من يستمع إليها من جيرانها العرب باستثناء قرار الجامعة العربية الخجول الذى دعا الأمم المتحدة إلى فرض حظر جوى على ليبيا لضمان وقف قصف الطيران الليبى للمدنيين.. ورغم صدور القرار بالموافقة على هذا الحل فإن الدول الغربية والولايات المتحدة ظلت مترددة لآخر لحظة فى حسم أمرها بالتدخل لنصرة الشعب الليبى وإنقاذه من حمق القذافى، مما أدى إلى تصاعد أعداد الشهداء من الرافضين لحكم القذافى، وابنه.
على طريقة جمال مبارك فى مصر وكأنها عدوى، تنامى - بشكل لافت- نفوذ نجلى الزعيمين الليبى واليمنى.. هذا النفوذ تجلى فى اقتران اسم أحمد على عبد الله صالح بكثير من العمولات والعقود والصفقات التجارية فى مختلف الأنشطة حتى أصبح لديه ما يطلقون عليه "مجلس وزراء مصغر" باعتبار أنه يدير أموراً كثيرة فى البلاد عبر اجتماعات ومشاورات تتم مع وزراء بعينهم فى الحكومة يدينون له بمراكزهم الوزارية.
أما بالنسبة إلى ليبيا فإن سيف الإسلام- نجل القذافى- استمد من مؤسسة القذافى الخيرية المظلة التى يدير من خلالها شئون ليبيا.. حسب أحد معاونى سيف الإسلام فإن المؤسسة كانت تتمتع بنفوذ مالى مفتوح، وكانت بمثابة دولة داخل الدولة..وهى التى تختار الكوادر والشخصيات التى تتولى المناصب القيادية فى مختلف المجالات، بما فى ذلك الملفات الحيوية، ومنها الإعلام بأنواعه كافة ، بالإضافة إلى المعارضة، حيث كانت المؤسسة هى الجهة المنوط بها التفاوض مع أقطاب المعارضة الليبية فى الخارج؛ استعداداً للحظة الفارقة التى يقفز منها إلى رأس السلطة بالتنسيق والتفاهم مع والده.
مع اقتراب نهاية نظام الحكم فى البلدين الشقيقين، فإن فاتورة الخلاص منهما ربما تكون باهظة التكاليف.. ففى اليمن انتقل الفساد من داخل البلاد إلى أركان النظام وسفرائه فى الخارج فتورطوا فى ممارسات غير مشروعة، سواء بالاتجار فى الآثار، أو المضاربة فى البورصات والعقارات، وغيرها .. لكن المعلومات التى لدينا أن عدد الذين يديرون معركة بقاء النظام لا يزيد على 200 شخص يتولون قيادة الجيش والأجهزة الأمنية..يتلقون أوامرهم بشكل مباشر من ثلاثة أفراد ينتمون إلى عائلة الرئيس على عبد الله صالح. الأمر نفسه فى ليبيا التى يدير الأمور فيها أبناء القذافى الثمانية بعد أن أسند إلى كل فرد فيهم قيادة بعض فرق الجيش الليبي، إضافة إلى التعتيم والتضليل الإعلامى الذى تمارسه أجهزته، وتواطؤ بعض دول الغرب؛ مما أطال فترة بقائه أمام تيار الثورة الشعبية الجارف الذى يجتاح ليبيا من الشرق فى بنغازى مروراً بطرابلس، حيث وصلت الاضطرابات إلى باب العزيزية؛ مقر إقامة القذافى..فما مصير الزعيمين العربيين اللذين يتحديان إرادة شعبيهما بشكل سافر ومستفز، ويتمسكان هما وأبناؤهما - بدون وجه حق- بكراسى السلطة، حتى لو خرباها وطردا من على تلها كسابقيهما؟
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة