كشفت ثورة 25 يناير المجيدة أن حجم الفساد فى مصر لم يكن للركب فقط، كما كان يقول الدكتور زكريا عزمى، رئيس ديوان رئاسة الجمهورية الذى ما زال على رأس عمله ويتمتع بحصانته وكأن الثورة قامت فى دولة أخرى بعيداً عنه، بالرغم من أنه أحد أهم رءوس النظام البائد، بل كشفت الثورة أن الوطن كان غارقاً فى محيط من الفساد بعد أن جعل النظام السابق الفساد سلوك يومى وجزء من حياة المواطنين والطريق لإنجاز المعاملات فى المؤسسات، فقد منح الأخلاق والضمائر إجازة مفتوحة وأطلق العنان للسرقة والتزوير والتلاعب، واعتبر الرشوة شطارة، والسرقة فهلوة ومهارة، والاستيلاء على حقوق غير الجدعنة، وغيرها من العادات السلبية التى كانت تمارس بشكل علنى طوال حقبة الرئيس السابق حسنى مبارك.
وفى الوقت الذى بدأ فيه النائب العام المشتشار عبد المجيد محمود فى كشف بعض القضايا،تمهيداً لتطهير البلاد ومعاقبة الفاسدين وعودة الأموال إلى أصحابها، تفاجأ المجتمع بحملات يقودها بقايا النظام البائد تطالب بالعفو عن الفاسدين مقابل السماح لهم بعودة الأموال التى سرقوها ودفع فارق الأسعار فى الأراضى التى اشتروا بها وبين السعر الحقيقى، وكأن هؤلاء اللصوص كانو يحصلون على سلف مالية بالمليارات يتمتعون بها ويبنون أمجادهم وإمبراطوريتهم الخاصة ثم يردون جزءاً من هذه الأموال، وكأن شيئاً لم يكن، أو كأن هذا المال بلا أصحاب.
إن هؤلاء البقايا مازالوا يواصلون الخداع والتزييف محاولين إقناع الناس بأن الاستيلاء على المال العام والسرقة وأخذ الأراضى بجنيهات ثم بيعها بمليارات لم تحدث أى ضرر للمجتمع، ولم ترفع من نسب الفقر، ولم تزيد من أعداد العشوائيات، ولم تدفع الكثير من الشباب للهجرة والغرق فى البحر بعد أن ضاقت بهم السبل وأغلقت فى وجوهم كل الأبواب.
إن هؤلاء الفاسدين يجب إجبارهم على إعادة الاموال وأرباحها ومحاسبتهم عما سببوه للشعب وما فعلوه فى المجتمع من تأثيرات سلبية على الاقتصاد والسياسة والحياة الاجتماعية، إن الاكتفاء برد الأموال دون عقاب يعتبر مكافأة من الدولة للفاسدين والسارقين وتعزيز لقيم الفساد ومنح الضوء الأخضر لكل من يريد السرقة، لأنه يدرك أنه سيرد جزء من المال دون أى عقاب.
لقد أكد الكثير من فقهاء القانون أن التنازل عن حقوق الشعب أمر غير قانونى، بل أنه ضد مبادئ الثورة والقيم النبيلة والعدالة التى يجب أن تكافئ الإنسان على إنجازته وتعاقب السارق وتعيد المسروقات إلى أصحابها.
إن المطالبين بعودة الأموال مقابل سقوط الاحكام يمهدون بذلك لبرءاة جميع السارقين، ويفتحون بذلك الطريق لعدم محاكمة الرئيس السابق، بل تعتبر محاولة لاستمرار الفساد وتكريس للسرقة، فمن يضمن أن يتم إعادة كافة الأموال المنهوبة إلى أصحابها؟، فالجميع يتذكر ما قاله الرئيس السابق حسنى مبارك فى أحد كلماته عندما تولى الحكم بأن الكفن ليس له جيوب، وكأنه يدعو إلى الزهد فى الحياة والبعد عن الحرام وعدم الاستيلاء على المال العام، ولكن الواقع يؤكد أن مبارك كان يسير على درب أجداده الفراعنه الذين كانو يكنزون الذهب والأموال لتدفن معهم فى قبورهم.
إن القبول بمبدأ أخذ أموال نظير الإعفاء من العقوبة يعنى أن الجريمة تباع وتشترى، وهذا أمر خطير يهدد أمن المجتمع وسلامته، ويعرضه للفوضى، كما يتنافى مع الهدف من العقوبة، وهو الردع العام ويهدم الأسس التى قامت عليها الثورة ويؤدى إلى تشجيع العديد من الأفراد على تقبل الجرائم والاستيلاء على المال العام.
إن إدانة هؤلاء الفاسدين بموجب أحكام قضائية نهائية يلزمهم برد ما أخذوه من أموال، مع تطبيق العقوبة الجنائية عليهم بحرمانهم من حريتهم وبقائهم فى السجون، حتى يكونوا عبرة لغيرهم، فتطبيق العقوبة الجنائية لا يعفيهم من رد ما أخذوه من أموال.
إن المطالبين بالاكتفاء برد الأموال يساهمون فى ضياع أموال الشعب، مثلما حدث مع أصحاب القروض البنكية الذين حصلوا على مليارات، وتم الإعفاء عنهم مقابل تسديد عدة ملايين، فعلى سبيل المثال كانت تبلغ مديونية رجل الأعمال مجدى يعقوب نصيف الأصلية، كما ذكرت محكمة الجنايات فى عام 2009 مليارات و345 مليون جنيه، ولكنه اتفق مع بنك القاهرة على تخفيضها إلى 734 مليون جنيه على سبيل التسوية، أى نحو النصف تقريباً، بل تم الاتفاق على سدادها على دفعات، وهكذا كان الأمر بالنسبة لكل أصحاب القروض، وكأن الأموال التى تنازل عنها البنك بلا أصحاب ولاقيمة ولا تأثير لها على اقتصاد الدولة ومستقبل الوطن وأبنائه.
لقد ابتدع الحزب الوطنى هذه الحيلة ليسمح لأفراده بالسرقة، ثم رد جزءا من المال عند اكتشافهم، بل جعل من هؤلاء السارقين أبطال، لأنهم ردوا جزءاً من أموال الشعب.
وهذا ما يحاول فلول النظام فعله الآن لكى ينجوا بالجزء الأكبر من الأموال والأراضى التى استولوا عليها ويحصلون على براءاتهم من فسادهم المالى والسياسى والاجتماعى.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة