منحنى الله عز وجل أكبر نعمة أنه أمد فى عمرى لأرى ثورة مصر.. وزاد من كرمه وعطائه أن جعلنى قادرا على تنفس هواء الحرية دون سموم قهر وفساد.
مصر أصبحت بلد الحرية.. وهى كانت رمزا لها قبل آلاف السنين.. ولا يقلل أبدا من قدر بلدنا العظيم ستون عاما من الحكم العسكرى الجائر الفاسد. الحرية تنساب الآن فى كل شىء وفى كل مكان.
الحرية تلاحقك دون أن تشعر.. وهذا هو أعظم ما بها. الحوارات السياسية التى عاشها أربعون مليون مصرى وربما أكثر حول التعديلات الدستورية أكدت حقيقة الحرية السائدة على أرض الكنانة.
ارتفاع الأصوات المؤيدة والمعارضة كان فخرا لمصر بعد أن عشنا طويلا بلد الرأى الواحد المفروض من أعلى. كل ما يتعلق بالحرية رائع وممتع.
ولكننا نريدها أن تكتمل وتنضج وتؤثر وتترك معانيها وقيمتها على العقول والقلوب والأفواه والأقلام والتصرفات والأفعال.
أصعب ما فى انتشار الحرية هو إمكانية تزامنها مع الفوضى لاسيما عندما تكون جديدة على شعب لم يعرفها أو يستوعبها لستين عاما كاملة.. أى أن خمسة وتسعين بالمائة على الأقل من سكان مصر حاليا لم يعرفوا أو يعيشوا أو يمارسوا الحرية على أرضهم طوال حياتهم.
والفوضى ليست هى البلطجة كما يعتقد البعض.. لأن البلطجة سلوك مثل السرقة والقتل والنصب يتواجد فى كل زمان ومكان وفى كل الدول بلا استثناء.
واتساعه مؤخرا فى مصر كان مخططا ومدروسا من أشخاص حقراء من العصر البائد لإجهاض الثورة.
الفوضى هى القيام بأفعال تعلم يقينا أنها غير صحيحة وغير قانونية وغير مقبولة ولا تصب فى صالح المجتمع.ودرجات الفوضى كثيرة وأعلاها ما يضر المجتمع بأسره ويؤثر على حاضره ومستقبله ويغرس اتجاهات وأفكارا مدمرة عند الصغار والشباب.. ولا يمكن لأى جهة أن تصل بأفعال الفوضى إلى تلك الدرجة إلا ثلاث جهات فقط. أولها وأكثرها تأثيرا علماء ورجال الدين.. وهم أصحاب العقل الراجح والزهد الواضح والقبول الواسع.. ولدى كل منهم الآلاف من مريديه واتباعه عن وعى أو عن إيمان مطلق به.. والدمار الشامل يلحق بهؤلاء الأتباع إذا شذ رجل الدين عن الصواب.
والجهة الثانية التى يمكنها التأثير السلبى ونشر الفوضى هى الحكومات والرؤساء.. وقراراتها تكون غالبا محل طاعة.. واستمرار أى قرار جائر غير قانونى أو غير عادل يجعله عادة أو طبيعة أو تقليدا.. وعندها يكون الباطل هو الأقوى وهو السائد.
أما الجهة الثالثة فهى الإعلام.. وهو محور حديثنا.
الإعلام يتغلغل إلى كل البيوت من خلال صحف انحرف أغلبها ومواقع إلكترونية لا تضمن أهدافها ولا تعرف هويتها.. وأخيرا شاشات مفتوحة ليل نهار.. وأمامها عيون ناظرة وربما ثابتة لا تتحرك.
الثورة العظيمة التى انطلقت فى 25 يناير 2011 وأسقطت الطاغية محمد حسنى مبارك تركت آثارا عظيمة فى جوانب عديدة.. وإذا كنا قد عرنا الآن ببعضها إلا أن الإحساس والفوائد الكبيرة ستكون فى المستقبل القريب.
الجانب الأقل فائدة وتطورا ومواكبة للثورة هو الإعلام. ولايزال ثمانون بالمائة أو أكثر من الإعلام المحلى غارق فى نفس الغى والضجيج والإثارة والأكاذيب التى عانى منها على مدار ستين عاما من الانحرافات السياسية والتعليمية والاقتصادية والرياضية.
ولو ذهبنا إلى التخصص.. وهو الإعلام الرياضى تبدو الصورة أوضح وأفضح لأن الغالبية لا تزال غارقة فى أمراض الأنانية الشخصية لمصالحها, ولا يزال قبول الرأى الآخر أمرا بعيد المنال.
يكفيك أن تنتقد شخصا أو مسؤولا أو جهة أو هيئة رياضية سواء الوثائق أو بالآراء حتى يخرج عليك العشرات من الموالين له سواء عن مصلحة شخصية مباشرة أو ملتوية أو من العاملين معه أو من المنتمين إلى فريقه وناديه.. ويبدأون حملة من النباح والسعار لإيقافك ولا مانع بالطبع من إلصاق أى تهم أو ألفاظ وصفات قبيحة عليك.. والأغرب أن المتهم الحقيقى يبقى سعيدا بالمدافعين عنه ولكنه يحتقرهم فى داخله لأنه يعلم أنهم كاذبون ومنافقون.
وتابعوا الآن ماذا يقول ويكتب العديد من أهل الإعلام الذين صنعوا من وجوههم سجاجيد ليمشى عليها مبارك وأتباعه.. وهم الآن يتحدثون بصوت عال وبلا حياء عن فساد مبارك وعن عصره الجائر.
خوفى على الثورة كبير من الجهتين الأولى والثالثة.
من رجال الدين إذا انحرفوا نحو مصالحهم وأهوائهم ومن رجل الإعلام الفاسد إذا بقى على الغى والكذب والضلال لا يرى إلا ما يفيده ولا يضع يديه إلا فى جيوب الأغنياء. > >