لا أجد أحداً الآن من مختلف الأطياف السياسية ، بمن فيهم المحسوبين على النظام السابق، إلا ويُعلن أنه المدافع، دون سواه، عن ثورة 25 يناير ومكتسباتها، والأكثر حرصاً على حمايتها من الثورة المضادة.
جميل أن يكون لثورة 25 يناير الشعبية هذا التأثير الممتد القادر على استيعاب جموع الناس، على اختلاف توجهاتهم، وجميل أن يتحمس لها ولمبادئها معارضو الأمس، فالثورة، إن صدقت النوايا، تجُب ما قبلها، كما أنها بالفعل كانت شعبية، بمعنى التمثيل الكامل لمختلف فئات الشعب، وإن زعم هذا الفصيل أو ذاك الناشط، فضلاً فيما تحقق
لكن المفارقة الجديرة بالانتباه أن الانقلاب الهادئ على ثورة 25 يناير ومكتسباتها، يتم تحت أعيننا، ويمر تحت أنوفنا، ونحن لا نحرك ساكناً، بل قد نشارك فى هذا الانقلاب، دون أن ندرى، رغم الشعارات المرفوعة والصوت العالى المدافع عن الثورة ، حتى إننى أرى دماء الثوّار الطاهرة تسيل على أيدينا جميعاً، وتضعنا فى قفص واحد مع القتلة والفاسدين.
قد تسأل وما دليلك على ما تزعم؟ أقول، إن أول دليل على قولى هو غياب روح ثورة 25 يناير، ويكفى أن نقارن بين تلاحم كل عناصر الأمة أثناء الثورة وفى جميع ميادين الغضب بالمحافظات وبين ما يحدث الآن من فتنة طائفية بغيضة تغذيها ممارسات غير مسئولة لوجوه دينية كنا نأمل فيها العمل لصالح البلاد، لا لمصلحتها المباشرة الضيقة.
دليلى على ذلك ، قانون الاحتجاجات والاعتصامات الذى أجازته حكومة عصام شرف، بدعوى حماية مكتسبات الثورة، وهو يجرّم كل فعل ثورى بالكتابة أو بالاحتجاج أو حتى الاعتراض، فى صورة مما كان يمارسه العهد البائد من تكميم للأفواه وانفراد بالسلطة.
دليلى على ذلك تقاعس حكومة "شرف ـ الجمل" عن الإصلاح السريع للمؤسسات والمصالح التى يهيمن عليها قيادات النظام البائد، وكأن تغيير هذا القيادات يقتضى مشاورات فى الأمم المتحدة ومجلس الأمن
دليلى على ذلك هو التأخر المريب لحكومة "شرف ـ الجمل" فى ضرب قواعد النظام البائد، التى تنطلق منها هجمات الثورة المضادة، وأعنى المحليات والمحافظين، لماذا لا يتم تغيير جميع المحافظين المعينين فى عهد النظام السابق، والدفع بقيادات شابة للعمل بروح الثورة؟ ولماذا الانتظار والصبر حتى الآن على مجالس محلية جميع عناصرها من الحزب الوطنى، ولم تأت إلى مقاعدها إلا بالتزوير والعنف؟.
دليلى على ذلك تقاعس الحكومة عن استرجاع أموالنا المنهوبة والمهرّبة للخارج، حتى وصل الأمر إلى إعلان بريطانيا التى تتركز فيها أموال عائلة مبارك، رفضها إعادة هذه الأموال
دليلى على ذلك روح نظام مبارك التى تهيمن على دولاب العمل، وطريقة صنع القرار، وأكاد أراه فى معزله بشرم الشيخ راضياً سعيداً يحرك دون أن يتحرك ويدير دون إصدار تعليمات.
إننى أرى دماء الثوار الطاهرة على أيدينا جميعاً، وأرى أرواحهم تحوم فوق رءوسنا غاضبة، بينما تنجرف البلاد ناحية الركود والظلام واليأس مرة أخرى.