كل من يتابع الحرب التى يخوضها السادة الأساتذة والدكاترة عمداء الكليات ورؤساء الجامعات فى مواجهة احتجاجات الطلاب المطالبة برحيلهم، تشبه إلى حد كبير إصرار الرئيس السابق حسنى مبارك على البقاء، وإعلان مشروعية التزوير وصحة الإجراءات وأنه راعى الاستقرار . فى مواجهة الثورة التى طالبت برحيله بعد ثلاثين عاما تجمدت فيها الحياة السياسية، ظل مبارك يقاوم ويناور حتى تنحى بعد 17 يوما بينما رؤساء الجامعات وعمداء الكليات مازالوا يصرون على البقاء بالرغم من الرفض التام.
السادة رؤساء الجامعات والعمداء يتمسكون بكراسيهم التى حصلوا عليها بفضل قدراتهم الفذة فى كتابة التقارير عن زملائهم وطلابهم، وليس بفضل قدراتهم على البحث ومواهبهم فى الابتكار العلمى.
وليس من المصادفات أنه لا يوجد من بين السادة رؤساء الجامعات وعمداء الكليات عالما أو باحثا، ولم تشهد الدوريات العلمية بحثا منشورا لأى منهم ماعدا السهو والخطأ. وبالتالى من الصعب الدفاع عن هؤلاء الذين احتلوا مواقعهم بالبلاغات أو المنافقات المعملية. ويستحق طلاب الجامعات عمداء ورؤساء الجامعات افضل من طواقم " ثانى أكسيد الكربون"، بل إن غاز الكربون له فوائد صناعية، بينما السادة الجالسون على تلها ليست لهم فوائد بعد سقوط جهاز أمن الدولة الذى كان يوظف قدراتهم البحثية فى البحث عن التاريخ السياسى لطلابهم وأساتذتهم.
وبهذه المناسبة فإن كل من يتابع المعركة الشرسة التى يخوضها الدكتور سامى عبد العزيز عميد كلية الإعلام جامعة القاهرة فى مواجهة الرفض الشعبى والطلابى الكاسح لوجوده على رأس الكلية. لا شك يشعر بالدهشة من هذا الإصرار والعناد، الرجل يرفض ترك موقعه ويصر على البقاء فى مكانه فى مواجهة المظاهرات والاحتجاجات التى اندلعت تطالب بإقالته. والدكتور سامى ليس وحده الممسك بالكرسى إمساك الأسد بالفريسة، لكنه واحد من عشرات العمداء ورؤساء الجامعات الذين تم اختيارهم بواسطة النظام السابق حيث كان الولاء هو معيار الاختيار مع ضرورة الحصول على تقرير أمنى بصرف النظر عن الكفاءة أو الموهبة.
الدكتور سامى ربما كان ناجحا فى مهنته موهوبا فى الدعاية والإعلان. لدرجة أنه قيل إنه كان أحد مخططى حملة الدعاية لانتخابات الرئاسة للرئيس السابق مبارك فى فترته الخامسة، وفى نفس الوقت يدير حملة منافسه الدكتور نعمان جمعة الذى كان مرشحا عن حزب الوفد. وهو أمر قد يبدو صعبا فى ظل نظام طبيعى، لكنه لا يمثل أمرا مدهشا فى ظل نظام "كاروهاتى" يتم تعديل دستوره لتصبح الانتخابات هى نفسها الاستفتاءات.
ولاشك أن الجمع بين "الدعايتين"، هو موهبة تحتاج الى قدرات خاصة. لكنها قد لا تكون مناسبة ليحتل صاحبها موقع العميد لكلية مهمتها تخريج إعلاميين يفترض أن تكون لهم رسالة.
الدكتور سامى ينفى أنه كان عضوا فى لجنة سياسات الحزب الوطنى، ومثله كثيرون يتعاملون مع اللجنة على أنها جرب أو مرض معد بعد ان كانت قبلة الصاعدين. ولو لم يكن فى اللجنة فقد كان فى الحزب الوطنى. الدكتور سامى يصر على البقاء ويؤكد أنه قدم للكلية خدمات هائلة ويقول إن الأساتذة والطلاب كانوا يشكرون من اختاروه. وحتى لو كان كل هذا كذلك فمن الأفضل أن يستجيب الدكتور سامى للمطالبات، ويتخلى عن منصبه، وخيرها فى غيرها.
فالمشكلة أن الدكتور وغيره من طواقم رؤساء الجامعات والعمداء الذين يمثلون نظاما تغيب فيه الحواجز بين السلطات ، وتتداخل فيه القواعد وتختلط فيه المواقع. الجامعات فى مصر تحتاج إلى أكثر من عمداء ورؤساء جامعات، تحتاج إلى علماء وخيال، واساتذة من ذوى المبادىء والقيم العلمية والأخلاقية، لقد رأينا يوما ما رئيس جامعة القاهرة أحمد لطفى السيد وهو يستقيل من منصبه، اعتراضا على تدخلات أمنية وإدارية وفصل الدكتور طه حسين من الجامعة، وهى الاستقالة التى جرت فى 9 مارس ومنها حملت جماعة 9مارس لإصلاح الجامعات اسمها، الجامعات المصرية خلال ثلاثين عاما فقدت ريادتها، وتراجعت فى الترتيبات العالمية، وتحول الأساتذة إلى متسولين، واختف البحث العلمى، ليحل محله البحث الجنائى والسياسى فى سجلات الطلاب والأساتذة. وانتشر توريث المناصب وتصعيد زملاء الأمن إلى مواقع البحث مما أفقد الجامعة دورها وجعلها فرعا من أقسام البوليس ومكاتب جهاز أمن الدولة. لقد ازدحمت الجامعات بالغازات السامة. وتحتاج بالفعل إلى تطهير ربما ترى الحكومة والمجلس العسكرى أن يتأجل لما بعد نهاية العام الدراسى، بينما يرى الطلاب استحالة الاستمرار مع عمداء الأمن والولاء. الأمر يحتاج إلى إنقاذ عاجل يتجاوز الإطاحة بعمداء الأمن إلى إعادة الحياة لجامعات فقدت قدرتها على التنفس وامتلأت بثانى أكسيد الكربون.