يتمتع الداعية الإسلامى الشيخ محمد حسان بحضور كبير فى أوساط المصريين، على اختلاف توجههم السياسى، وذلك لسماحته الشديدة وعلمه الغزير وقدرته على الإقناع وفهمه الواسع لأصول الدين الحنيف التى تقوم على التبليغ والتذكير والتسامح، فلم يعرف عنه اعتداؤه على المختلفين معه، ولا إنكاره لحقوقهم، أو التحريض عليهم وإنما سعى فى أحاديثه وخطبة على التعريف بأصول الدين والدعوة إلى الله ورسوله بالتى هى أحسن، كما حرص أن تكون له خطواته فى خدمة المجتمع ونزع فتائل الفتن وما أكثر ما تحاك لتخريب هذا البلد.
ولكل ما سبق، قرأت عتاب فضيلته لليبراليين المصريين خلال المنتدى العالمى للوسطية بانزعاج، ليس مرده بالطبع عدم وجود مساحة من الود تسمح للشيخ الجليل بالعتاب أو حتى باللوم، وإنما لأنه عتابه فى صلب ما نعتب نحن الليبراليين على التيار السلفى فيه، "يقول الشيخ محمد حسان أعتب على الليبراليين الذين يحرمون على الإسلاميين أن يتكلموا، فهل نزل الإسلاميون على مصر من كوكب آخر؟ وكيف تسمحون لأنفسكم بالتعبير عن الرأى وتحجبونه عن غيركم"، "هنا أود أن يتسع صدر فضيلته لعدة ملاحظات، أولها استخدامه مصطلح "الإسلاميين" فى مواجهة الليبراليين، فهو المفوه العارف بأسرار اللغة ودلالاتها يعرف جيداً أن إطلاق مصطلح "الإسلاميين" على تيار سلفى بعينة إنما يتضمن فى معناه ودلالته حجب الصفة عن سائر المصريين بمن فيهم أعداد كبيرة، ممن تقول بالليبرالية أساساً سياسياً لدولة مدنية قادرة على استيعابنا جميعاً على اختلاف توجهاتنا.
ثانياً: إن استخدام مصطلح الإسلاميين، يتضمن موقفاً دينياً مصحوباً برأى فيه من السياسة الكثير وإنما يمثل خطراً كبيراً على الحركة السياسية ونشطائها، لأنه سيضع الدين المصبوغ بالسياسة فى مقابل الممارسة السياسية النقية لكثير من المصريين أغلبهم يدين بالإسلام لكنهم يمارسون السياسة باعتبارها إطاراً تنظيمياً دنيوياً على أرضية الحديث الشريف "أنتم أعلم بشئون دنياكم"، وباعتبار هذا الإطار التنظيمى يقوم أساساً على الصراع والخلاف بهدف تغليب الأفضل لإصلاح شئون الدنيا للعباد والبلاد بعيداً عن الزج بالدين ورموزه فيها.
ثالثاً: يا فضيلة الشيخ أنت تعتب على الليبراليين فى شئ هم ينادون به، فهم ينادون بالاختلاف كحق وأساس للفرقاء فى ميدان السياسة، وبحرية الرأى والتعبير كأساس للدولة المدنية المرتجاة، وبالوطن الواحد لجميع المواطنين المتساوين فى الحقوق والواجبات، وإنما يخشون أكثر ما يخشون من نزعة الإقصاء المترسبة لدى بعض رموز التيار السلفى الذين زرعوها بدورهم فى أتباعهم حتى صارت ثقافة حياة، ويكفى أن نراجع معاً موقف كثير من شيوخ التيار السلفى وأتباعهم تجاه غير المسلمين، ستجدهم ينطلقون تجاههم من موقف تمييزى واضح. يكفى أن تراجع مواقفهم تجاه المختلفين معهم فى الرأى، ستجدهم ينحرفون فوراً إلى الحكم على عقائدهم وصولاً إلى إخراجهم من الملة دون أن يشقوا عن صدورهم ليعرفوا هل شهدوا "أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله" أم لا.
رابعاً: أنت أعلم متى يا فضيلة الشيخ بأمراض الفتنة وأخطار الطائفية، وقد رأيت بنفسك ما حدث ويحدث فى أطفيح وما يغذى هذه النعرات إلا بعض الأحاديث غير المسئولة التى يطلقها عدد من المشايخ المحسوبين على التيار السلفى.
أسمح لى يا فضيلة الشيخ بأن أعتب عليك بعدم تدخلك لإيقاف المتجاوزين من مشايخ التيار السلفى وحجم حماسهم غير المسئول، وتكريس موقف وطنى عام مؤداه أننا جميعاً أبناء وطن واحد على اختلاف توجهاتنا السياسية وعلى اختلاف عقائدنا وتصوراتنا الاقتصادية، وأن هذا الوطن يتسع لنا جميعاً، والخطر كل الخطر ليس فى التعبير وإنما فى التعبير عن نفى الآخرين وإقصائهم، وهذا هو الفارق بين ما يدعوا إليه فصيل كبير من الليبراليين المصريين وبين دعوة بعض مشايخ التيار السلفى، فعليك بهم يا فضيلة الشيخ ولك الأجر عند الله، والله من وراء القصد وهو أرحم الراحمين.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
جمال سعد
الاعتدال والصدق