لا تزال الصورة غائمة فيما يتعلق بجهاز الأمن الوطنى الذى أعلن وزير الداخلية اللواء منصور العيسوى عن إنشائه كبديل لجهاز أمن الدولة. لا أحد يعرف على وجه التحديد ما الذى قد يتغير فى الصورة، وما هو التوصيف الوظيفى الجديد لضباط الجهاز، وما النشاط الميدانى الذى قد يتصدى له أفراد وضباط الأمن الوطنى فى المرحلة اللاحقة؟
الوزير ورئيس الجهاز (المستحدث) اللواء حامد عبدالله، لن يستطيعا خلق الجهاز الجديد من العدم، ومن ثم فإنهما مضطران إلى الاعتماد على الكوادر البشرية لجهاز أمن الدولة فى العهد السابق، ومضطران أيضا إلى استخدام المقار والأجهزة والمخبرين أنفسهم فى التركيبة الجديدة للجهاز، فى وقت تبدلت فيه صورة المجتمع، وتغيرت فيه آليات الحكم، وصار أعداء الدولة فى الماضى هم صنّاع القرار اليوم، وأصبح المحظورون فى العهد السابق هم أبطال الأمة، وحماة الثورة، ورموز الحكم فى المستقبل.
ما تعلنه وزارة الداخلية عن الجهاز الجديد يشتبك فى مناطق متعددة مع أجهزة أمنية حالية، تعمل فى إطار دستورى وقانونى، دون حاجة إلى هذا الجهاز، فإذا كان ضباط الأمن الوطنى سيعملون على حماية الجبهة الداخلية والحفاظ على أمن الوطن، فهل نفهم من ذلك أن دورهم يتوجه إلى مكافحة التجسس أو مواجهة الأنشطة الاستخباراتية فى البلاد؟ وإن كانت الإجابة صحيحة.. فإلى أى مدى يتقاطع هذا الدور مع ما تقوم به المخابرات العامة المصرية، وجهاز الأمن القومى الذى يعمل على هذه المهمة بكفاءة منذ ثورة يوليو وحتى اليوم؟ وإن كان جهاز الأمن الوطنى الجديد سيعمل فى الميدان الجنائى وفى الجرائم الكبرى، سواء غسيل الأموال، أو جرائم السطو المسلح، أو العصابات ذات الأنشطة المتعددة، فما طبيعة خدمة ضباط الجهاز هنا جنبا إلى جنب مع المباحث الجنائية، أو إدارة مكافحة المخدرات، أو وحدات مكافحة غسيل الأموال؟
التوصيف الوظيفى للجهاز الجديد غامض، ولا معنى له سوى الحفاظ على دولاب العمل القديم فى جهاز أمن الدولة السابق، وهو أمر بالغ الخطورة والتعقيد، ويضع وزارة الداخلية فى اختبار عسير مرة أخرى لمصداقيتها مع الناس بعد الثورة، فمن يضمن ألا يعود الجهاز إلى سابق عهده فى التجسس والتنصت وجمع الملفات الوقحة بلا رقيب؟، ومن يضمن ألا يخرج من داخل هذا الجهاز من يقنع السلطة، أى سلطة، بحاجتها لجمع المعلومات عن الأنشطة السياسية والحزبية، كما كان يحدث فى الماضى تحت شعارات مختلفة، كالحفاظ على المؤسسات العامة من الاختراق الأجنبى، أو مقاومة الغزو المذهبى الشيعى، أو الغزو السياسى الإيرانى، أو غزو اليمين الأمريكى، أو أى نوع من هذه الغزوات التى يمكن أن تصلح شعارا يبرر عودة «ريما» إلى عادتها القديمة فى الأعمال المباحثية الساذجة فى الميدان السياسى؟
المسألة هنا تحتاج إلى ضوابط تشريعية، وتوصيف وظيفى واضح لهذا الجهاز الجديد، ماذا يعمل؟ وكيف يعمل؟ ومن هم كوادره فى المرحلة اللاحقة؟ وما الضوابط القانونية التى تحكم عمله بين المواطنين؟
الشرطة لا تحتمل ضربة جديدة فى جدار الثقة، ووزير الداخلية لا يمكنه أن يتعامل مع الدعم الشعبى على أنه رفاهية لا حاجة إليها، فقواعد اليوم غير قواعد الأمس، وما كان يجوز كتمانه فى الماضى، يستحيل أن يتم التكتم عليه اليوم، وإن كانت النوايا حسنة، والإرادة التى اجتمعت وراء نشأة هذا الجهاز الجديد هى إرادة وطنية بالفعل، فلابد أن يخرج كل شىء إلى العلن، ولابد أن يخضع كل شىء للقانون.
ربما يعلم وزير الداخلية أن هذا النوع من الأجهزة قد ينشأ على نوايا طيبة، لكنه يتحول لاحقا إلى طغيان مطلق بفعل ما يملكه من معلومات، أو ما يتمتع به من حصانة، أو ما يحظى به من استثناءات خارج القانون، ونحن إذ نعيد بناء مصر سياسيا واجتماعيا وأمنيا من جديد، لا ينبغى أن نترك الأمور للصدفة، أو للنوايا الحسنة، أو للثقة المتبادلة بين الثورة والحكومة الجديدة، فالبناء الحقيقى لمنظومة الحرية، ينبغى أن يرتكز على القانون والقواعد العلنية واحترام حقوق الإنسان، ومن هنا فإن كل خطوة يقطعها اللواءان منصور العيسوى وحامد عبدالله فى تأسيس هذا الجهاز الجديد، ينبغى أن تخرج إلى العلن، لا شىء هنا يحتمل السرية، ولا شىء هنا ينتمى إلى منطق الغرف المغلقة، الناس يجب أن تعرف طبيعة قيادة الجهاز، وطاقم كوادره العليا، وميدان نشاطه، والوسائل التى سيعتمد عليها فى جمع المعلومات، والسياق القانونى لجمع هذه المعلومات، والتمويل الذى سيحظى به ضمن ميزانية وزارة الداخلية.
الأمن الوطنى يعنى أن القانون يجب أن يعلو دائما، ومصر لن تسامح مجددا كل من يضع القانون تحت الأحذية من جديد.
خالد صلاح
خالد صلاح يكتب: لكن.. كيف سيعمل جهاز الأمن الوطنى؟.. ومن يضمن عدم تورطه فى خطايا جهاز أمن الدولة لاحقاً؟.. وما الفرق بينه وبين المخابرات العامة؟
الثلاثاء، 29 مارس 2011 12:05 م