"يظن الشباب أن كبار السن حمقى.. أما كبار السن فيعرفون أن الشباب حمقى".
أنا لم أدعى تلك الحماقة ولكن الأديب والفيلسوف الإنجليزى جورج تشابمان (1559-1634) كان يؤمن بها.. وصراع الأجيال مثل صراع الطبقات مثل صراع الديوك.. حركة لن تنتهى إلا بانتهاء العالم أو فناء الفصيلة.. فلكل جيل أفكاره وطموحاته وأنانيته فى تغيير كل ما حوله وفرضه على الآخرين.. فالحياة ملكية عامة كل منا يراها ملكية خاصة وهذا هو قمة الصراع الإنسانى ناهيك عن الزواج طبعا.. ويقال إن الخالق ( سبحانه وتعالى) حينما وزع الأرزاق لم يرض أحد عن رزقه وحينما وزع العقول لم يرض أحد إلا بعقله ولذلك نشأت أزمة ثقة بين الأجيال على امتلاك الأرض.. الحل الوحيد كان فى الديمقراطية وهى حكم الأغلبية وليست حكم الأفضلية فأنت تتبع القطيع الأكبر حتى لو رفضت مساره وكرهت أفكاره.
وحينما نقول إن شباب مصر من الفئة العمرية ( 15 إلى 29 سنة ) يصل عددهم إلى 30 مليون وأنهم يشكلون أكثر من 32% من عدد سكان مصر.. فاعلم أنهم الأقوى والأنشط والأقدر على المواجهة الديمقراطية فلا تعاندهم فيما خلقوا له بل حاول فقط أن تشاركهم بخبراتك لو اقتنعوا بفحواها.. وقديما شبه سلفادور دالى ذلك بمقولة رائعة (أفظع جرائم شباب هذا العصر هى أننا لم نعد ننتمى إليهم ) هو يراها جريمة ولكنها حقيقة.
لذلك من حق طلاب الجامعات المصرية أن يختاروا كيف يأتى العميد وأن يضعوا شروطا لشفافية انتخابه وأن يحترموه ويقدروه ولا يروا فيه صورة هزيلة للنظام السابق الذى أسقطوه.. وحينما دخلت جامعة القاهرة منذ 15 سنة لاحظت حرية غير طبيعية فى التعامل مع العميد فكلما وقفت مع بعض الشباب يستأذن واحد منهم لأنه على موعد مع العميد وقد ينضم له زميل أو اثنين لمقابلة العميد وبعد فترة قصيرة اكتشفت أن لقاء العميد هو كناية عن الذهاب إلى الحمام.. لم أرتح لهذا الإسقاط رغم معناه العميق.. فالكثير من العمداء كان يترفع عن مقابلة الطلبة والاختلاط بهم ولكنهم كانوا يقابلوه كل يوم ولعدة مرات وبطريقتهم الخاصة.. فلا تتركوا أنفسكم لأفكار الشباب الخاصة بل افتحوا حوار مكشوف بدلا من لغة الكناية ,, وإذا كنا نحتفل كل يوم بشهدائنا من الشباب النبيل فهؤلاء شبابنا أيضا.. فلا تتصنعوا البطولة فى الوقوف أمام إرادة هذا الجيل فى التغيير.. لا تجعلوه يشعر بالانقسام والانكسار أمام شخصيات أغلبها متهالك وهزيل كل رصيدهم العلمى كان التطبيل للنظام البائد أو الإبداع فى تقارير أمن الدولة أو الحوار فى حظيرة المثقفين.. فلا تناصروا الباطل وتبرهنوا على صوابه لأن اللعب بالكلام والقوانين هو الأسهل ولكن الاقتناع باليقين هو الأصعب.. فلو لهؤلاء العمداء قيمة علمية وتربوية فسوف يأتوا عن طريق الانتخابات أما لو كانوا من مساخيط النظام السابق فلا يعقل أن تجبر إنسان على أن يكون قدوته مسخة أو معلمه مسخوط ؟؟ .. وأن تطالبه فى النهاية باحترام الحرم الجامعى .. فعن أى حرم تتكلمون..
ويتكرر مشهد القمع الفكرى للشباب مع الجماعات الإسلامية والإخوان الذين احترفوا المعارضة والاعتراض على الآخرين وحرموه بين أنفسهم وتلك إشارة غير مطمئنة تماما لأكبر تجمع سياسى فى مصر.. فحينما حاول شباب الجماعة أن يساهم بأفكاره وآراءه فى وضع ملامح سياسية مقبولة للجماعة.. نهروه ورفضوا اجتماعهم الذى أقيم بأحد فنادق الدقى ولم يحضره أحد من القيادات فكيف يدعى قادة الجماعة بأنهم سيفتحون حوارا ليبراليا مع كافة تيارات المجتمع وهم حتى يرفضون الاستماع لأبنائهم وفتح حوار معهم وهل الحوار الديمقراطى يتنافى مع أدبيات الجماعة.. فإذا كنتم تدعون للديمقراطية فعلا.. فأين هى مما تفعلون؟؟
ألم يقل الشيخ حسن البنا (( فلتكن نفوسكم هى الميدان الأول إذا استطعتم عليها كنتم على غيرها أقدر )) ... فما وجه الاعتراض على إقامة مؤتمر لشباب الجماعة ووضع توصيات منطقية لهذه الحركة التى وصفت بالمحظورة ونراها الآن فى غاية الخطورة .. فإذا كنتم ترفضون الجلوس فى مؤتمر شبابكم فماذا سوف تفعلون بشبابنا.. وهل مطالبة هؤلاء الشباب الواعى بمراقبة ومحاسبة قيادات الجماعة وكشف أوراقهم ومخططاتهم فى النور يتنافى مع أدبيات الجماعة أم يتفق مع تراث فرعون الذى لا يحاسبه أحد.. أم أن الجماعة بعد تاريخها الحافل فى الظلام لا تجيد اللعب النهارى لأن النور يكشف العيوب والظلام يخفى الثقوب.
أتصور أن شباب الجماعة سوف يكون لهم شأن كبير فى الشارع المصرى فى المرحلة القادمة، خاصة بعد ما لمسته من نضوح ووضوح فى توصيات مؤتمرهم الأول الذى عبر عن فكر ليبرالى سليم لا يختبئ تحت عباءة الدين بل يشاطر كافة الفئات همومها وأحلامها.
فى النهاية شئنا أو أبينا.. وافقنا أو رضخنا.. اقتنعنا أو أجبرنا .. توسونامى هذا الجيل لن يترك شيئا فى مكانه ولن ينجو صغار الفراعين بأبراجهم العاجية.. ولحكمة الخالق هؤلاء الشباب من الجانبين هم الأمل الوحيد فى توحد صفوف هذه البلاد والاتفاق على صنف القائد المنتظر.. لأن بينهم لغة لا نفهمها ولهم أفكار مشتركة يصرون على تنفيذها وبينهم تواصل وقبول نفتقده مع الكبار.. هذا الجيل تخلص من الفرعون لأنه لم يصافحه أو يناطحه بل قلبوه فجأة ولم يفكروا فى الجلوس مكانه.. هم يريدون فقط أن يصنعوا حياتهم ومستقبلهم القادم فلا تتفاخروا أمامهم بماضيكم وتجربتكم فى التواصل بالحمام الزاجل لأنهم لا يستخدموه بل يأكلوه عند أى كبابجى.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة