فى الأيام الماضية ومع الأحداث المتسارعة والمتلاحقة التى أصبحت مصر تعيشها هى وبعض الدول العربية من البحرين إلى اليمن وليبيا تحول معظمنا إلى كائن تليفزيونى لا هم له سوى متابعة الأخبار وآخر المستجدات، ثم الجلوس لمناقشة كل ما يحدث، والفرجة على كل من يرغب فى التحليل والتأويل وصار أغلبنا منساقا ويستمع للمحللين الذين ملأوا الفضائيات من كل صوب واتجاه، وللأسف هم لا يعطون المشاهدين فرصة لبناء وجهة نظرهم الخاصة، أو فرصة حتى لالتقاط الأنفاس، إضافة إلى ضيوف البرامج من شباب ثورة 25 يناير والذين يتعامل معهم مقدمو البرامج بدلع زائد لدرجة تشعرك بأنهم يخشون غضبتهم ويخافون من رد فعلهم بل وصل الأمر إلى درجة «التهنين».
وأرجو ألا يفهم من كلامى بأننى ضد هؤلاء الشباب ولكننى بشكل واضح ضد عدم المهنية التى باتت تحكم العمل الإعلامى، حيث تدور أغلب المناقشات فى البرامج حول: ماذا تريدون وبماذا تحلمون وكيف ترون فلانا أو علان، ولا يملك العديد من مقدمى البرامج سوى الإيماء برؤوسهم والتصديق على كل كلمة يقولها الشباب، وأحيانا تصل الأمور إلى حد إطلاق وصلات من الغزل والمزاح إلى درجة أن واحدة من مقدمات أحد البرامج على قناة النيل للأخبار قالت : «الله على الحماس وشجاعة الشباب بس خدوا بالكوا أنا شباب أكتر منكم «وضحكت بصوت عال، وأيضا التغطية التى قدمها الإعلامى تامر أمين فى برنامج «مصر النهارده» لواقعة الضابط وسائق «الميكروباص».
والأمثلة كثيرة على عدم المهنية من جانب القنوات الفضائية، والمدهش حقا أن للإعلام دورا حيويا فى هذه المرحلة الحرجة والتى تمر بها مصر ولذلك يجب أن يكون إعلاما مهنيا وليس منحازا لأحد، ينطلق من المعلومة الموثقة والرأى والرأى الآخر وليس إعلاما كان يخشى غضبة السلطة إلى إعلام يحاول بكل الطرق استقطاب واسترضاء الشباب، وهو ما انعكس بشكل كبير على آليات الحوار بيننا، وأصبح الكل يسأل «أنت مع مين»؟ وعلت نبرة التخوين والاتهام بالعمالة لكل من يخالف فى الرأى، أو يشعر بحالة من الخوف وعدم الأمان وعدم الثقة فيما هو قادم نظرا لعدم الاستقرار والغياب الأمنى وكأن ردود أفعال الناس يجب أن تكون واحدة، وأعرف الكثيرين من أصدقائى أطلقوا على أنفسهم الأغلبية الصامتة يرفضون بشدة استمرار التظاهرات فى ميدان التحرير، مطالبين الجميع بفرصة لالتقاط الأنفاس ورؤية الصورة بأكملها وإعطاء الفريق أحمد شفيق فرصة لقيادة المرحلة الانتقالية، خصوصا أن الرجل تاريخه المهنى مشرف، وما يعنينا فى هذه المرحلة هو قدرته على الإنجاز، وليس أن من جاء به هو الرئيس السابق حسنى مبارك؛ لأنه بنفس المنطق علينا أن نطالب بمحو كل ما له علاقة بالنظام السابق فى كافة أجهزة الدولة من قضاء ونيابة وبنوك وغيرها لأن من عينهم سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة هو الرئيس السابق.
وأنصح الكثيرين ممن سيبدأون بتوجيه الاتهامات ضدى وضد كل من يخالفهم الرأى بقراءة تعليقات القراء على الموضوعات التى تتناول تطورات الشأن المصرى على موقع «اليوم السابع» وغيره من المواقع الإلكترونية بأن يطالعوا التعليقات بشكل منتظم وهو ما أصبحت أقوم به بانتظام لأبعد نفسى عن مزايدات الفضائيات خصوصا أنها تحمل نبض هذه الأغلبية الصامتة، وتحمل أيضا وجهات نظر تحترم وأحيانا سخرية لاذعة ،حيث ذكر أحد القراء «طيب ماتغيروا الشعب لأنه ينتمى للنظام السابق؟؟».