غياب الشرطة عن الشارع تحول إلى فزورة، وكثير من المواطنين يطلبون عودة الشرطة للشارع لتمارس دورها الطبيعى فى حفظ الأمن، لكن الحادث أن الضباط يخافون من الناس، والمواطنون يتوجسون من العودة على الطريقة السابقة. مع العلم أن الكثير من المخالفات تمت ليس بسبب غياب الشرطة، لكن بسبب غياب الدولة، هناك آلاف المبانى المخالفة تم بناؤها بدون ترخيص، وآلاف الأفدنة تم تبويرها علنا، ويتصور من فعل هذا أن أحداً لن يحاسبهم.
ويفترض أن يفرض الجيش هيبة الدولة، وأن يتم إزالة المخالفات بكل حسم حتى يمكن التأكيد بأن مخالفة القانون لا تقابل بجائزة.. عودة الشرطة مطلوبة على وجه عاجل.. هناك بلطجة واعتداء على القانون، لكن إعادتها دون فرض هيبة الدولة بالقانون، لم تفد كثيرا.. وعودة الشرطة تتطلب توفير الشروط الموضوعية، وأهمها أن تكون الشرطة فى خدمة القانون وليس لخدمة النظام، وهناك دلائل كثيرة على أن الأغلبية من ضباط وجنود الشرطة كانوا ضحايا لنظام يستخدمهم للقمع، ويرهقهم فى حماية النظام القمعى، ويفترض أن يعود هؤلاء إلى الشعب، ويعرفوا أنهم يعملون لدى الناس وليس لدى الرئيس أو الوزير.
وليست المشكلة فى تغيير شعار الشرطة من "فى خدمة الشعب" إلى الشرطة والشعب فى خدمة القانون، فقد كان شعار فى خدمة الشعب مرفوعا، وكانت الانتهاكات مستمرة، ولم يكن حبيب العادلى هو الذى اخترع القمع والتعذيب والاعتقالات، وكان قانون الطوارئ يوفر الغطاء القانونى لكل الانتهاكات.
ويفترض أن تعود الشرطة، وأن يتم وضع قواعد صارمة حتى يتم إلغاء القانون الذى ظل مفروضاً طوال 30 عاماً، ومنح وزراء الداخلية الحق فى قتل المواطنين وتعذيبهم، وحتى قانون الطوارئ لا يعطى الحق فى كل هذه الانتهاكات، فليس فيه قتل ولا اعتقال بلا نهاية، لكنه تحول مع النظام الأمنى إلى قاعدة للقتل والاختطاف والإخفاء.
أما جهاز مباحث أمن الدولة الذى تحول إلى دولة فوق الدولة، فإنه فى حاجة لإعادة نظر إما بإلغائه أو إعادة تشكيله تحت رقابة قانونية، مثلما هو حادث فى دول العالم، وأن تكون مهمته أمن الدولة وليس أمن النظام، والبلطجة على كل الإدارات والتجسس على المواطنين وتلفيق القضايا لهم.
وحتى يمكن أن تعود الشرطة يجب أن تتم الإجابة على عدة أسئلة، أولها لماذا لا يتم التحقيق مع وزير الداخلية فى قتل المتظاهرين بالرصاص الحى، وإطلاق الخرطوش الذى أصاب المواطنين بالعمى فى المظاهرات أثناء الثورة. غالباً لن يكون العادلى وحده هو المسئول بل سيكون من فوقه مثل الرئيس السابق، وهناك شركاء من الحكومة السابقة، وعلى رأسها الدكتور أحمد نظيف، فقد كان الرئيس السابق يرأس جهاز الشرطة. والتحقيق مع العادلى مطلوب لمعرفة الحقيقة حتى يمكن أن تعود الشرطة على أسس جديدة.
أيضا يفترض أن تشمل التحقيقات الإجابة عن سؤال من حرق أقسام الشرطة ومن فتح السجون، ويفترض أن يتم تشكيل لجنة من القضاة المشهود لهم بالاستقلال للتحقيق حتى يمكن الإسراع وتخفيف العبء على النائب العام. لأن الإجابة عن السؤال: من فتح السجون ومن أحرق أقسام الشرطة سوف تقدم حلولاً لألغاز كثيرة، وحتى يمكن أن يعرف المصريون من كان وراء هذه الفوضى، والفراغ الأمنى.
كل هذا مهم ويفترض أن تسارع الحكومة الجديدة لتسيير الأعمال بتنفيذه، حتى يمكن البدء من جديد فى بناء الشرطة على عقيدة جديدة، وهى أن دورها حماية الأرواح والممتلكات وسيادة القانون، وكل هذا فى إطار القانون وتحت رقابة النيابة والقضاء. مع تحويل ميزانية الشرطة المتضخمة إلى القوة البشرية للشرطة، لتدريب وتحديث الجهاز، وليس لسباق تسلح لا نهائى للقمع.
ويبدو أن هناك فصيلاً أو تياراً داخل النظام، يريد إطالة مدة غياب الشرطة، ليثبت أن وجودها مهم، وهو مهم فعلا لكن ليس بالعمل خارج القانون. يجب أن تعود الشرطة فى خدمة القانون وساعتها سوف تكون فى خدمة الشعب.