عندما هتف الناس أمس، الجمعة، "الشعب يريد إسقاط أمن الدولة" لم يكونوا متجاوزين فى شىء، بل إن هذا المطلب المتأخر حسب أولويات ثورة 25 يناير، كان من الأولى أن يضطلع به القائمون على الأمور فى مصر، قبل أن نطالب به فى الشارع، فقد سقط هذا الجهاز فعلياً بسقوط النظام وتنحى مبارك، وكل ساعة يستمر فيها بالعمل، إنما يعمل على مناوئة وتعطيل الحياة السياسية، بل وإحداث التوتر والقلاقل وتدبير الاعتصامات والجرائم المجهولة.
وحتى لا يبدو حديثى مجرد كلام مرسل، علينا أن نراجع طبيعة عمل هذا الجهاز الخطير "أمن الدولة" وطبيعة التأهيل النفسى والعملى الذى يتلقاه كوادره وقياداته، هذا الجهاز لا يواجه الأخطار الخارجية ولا أعداءنا فى الخارج، وإنما يواجه ويحتوى ويضرب ويعتقل ويعذب أعداء النظام فى الداخل، ومن هم أعداء النظام فى الداخل؟ جميع النشطاء السياسيين، على اختلاف توجهاتهم وأطيافهم السياسية، من يساريين إلى وفديين إلى إخوان وسلفيين وناصريين، فقد عمل "الجهاز"، على مدار سنوات طويلة لاختراق واحتواء كل التجمعات السياسية وإفساد أى حركة أو حزب قائم عبر استقطاب عدد من أعضائه لإضعاف البقية الباقية ومنع بناء أى حضور حزبى أو سياسى معارض فى الشارع.
كان يكفى أن يتم الإعلان عن مؤتمر لحزب أو مجرد ندوة لحركة أو فصيل معارض، حتى ترى عربات الأمن المركزى والشرطة ومئات وأحياناً آلاف العناصر التى تحاصر مكان المؤتمر أو الندوة، تتعقب وتصور المشاركين وتصنع لكل منهم ملفاً ثم تعقبه وتضايقه فى حياته وعمله حتى ييأس من العمل السياسى.
ليس هذا فقط، بل مد هذا الجهاز أذرعه الأخطبوطية فى جميع التجمعات النشطة المؤهلة لإفراز كوادر فعالة فى الحياة العامة، وفى مقدمتها الجامعات والمصانع والهيئات الحكومة، يستقطب عملاءه بين الطلاب وأساتذة الجامعات والعمال والموظفين، وهؤلاء هم الموعودون بالتوظيف والترقى والاستمرار فى صعود سلم المناصب حتى لو كانوا معدومى المواهب، ومن أصحاب العقد النفسية ومركبات النقص، وكيف لا وهم يداومون على كتابة التقارير فى زملائهم والوشاية بهم فى كل موقع يعملون به.
لم تكن مهمة هذا الجهاز البغيض تتعدى تحقيق الأمن لنظام مبارك، عبر إفساد المجتمع كله، وها هو نظام مبارك قد سقط، فلماذا لا يسقط ذراعه الأمنية الطويلة؟ لماذا الإبقاء عليه وعلى كوادره ومعظمهم من أصحاب جنون العظمة، الذين يضعون أنفسهم فى مرتبة السادة المضطرين للعمل مع شعب من العبيد الهاربين أو المجرمين الخطرين، هؤلاء يجب أن يتم استبعادهم من أى عمل مباحثى له صلة بالمواطنين، وإذا كان من الضرورى الإبقاء على الجهاز نفسه، فيجب تعديل مهامه وتوصيفه، ليكون جهاز مكافحة الفساد، ومعاوناً لجهاز الرقابة الإدارية، بحيث يعمل على تجفيف منابع الفساد الصغير والكبير، الذى نخر كالسوس كل أركان الدولة المصرية.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة