ما جرى فى قرية صول بأطفيح، جريمة تتسم بالخسة ويستقوى فيها بعض المواطنين على غيرهم، وأيا كانت أسباب المشاجرة، فلا يحق لأحد من أهالى القرية المسلمين أن يحرقوا ويهدموا كنيسة القرية، ويهدموها. ويقال إن علاقة بين فتاة مسلمة وشاب مسيحى كانت وراء الخلاف، وكان يمكن أن يتم إنهاء ذلك بالقانون، لكن بعض المتعصبين هاجموا المسيحيين وحرقوا الكنيسة وهدموها، والذين فعلوا ذلك يتصورون أنه لا يوجد قانون أو أحد يحاسبهم، وينبغى على المجلس الأعلى للقوات المسلحة أن ينفذ وعده، ليس فقط ببناء الكنيسة، لكن الأهم هو القبض على مرتكبى جريمة حرق وهدم الكنيسة ومحاكمتهم وعقابهم أمام محكمة العدالة، وأن يعيد كل من تم ترويعه آمناً إلى منزله. بعد أن طاردهم المتعصبون فى القرية.
وحتى يحدث هذا، فإن من حق المسيحيين أن يعبروا عن غضبهم ورفضهم لهذه الجريمة، وإذا ترك الجناة بدون عقاب نتوقع أن تنتشر الأحداث الطائفية إلى ما لا نهاية، وهى الأحداث التى اختفت تماماً أثناء الثورة وفى ميدان التحرير، بل إن المسيحيين كانوا يحرسون المسلمين أثناء الصلاة. والمسلمون احتفلوا مع المسيحيين بالقداس. وهذه الروح هى التى منحت مصر روحها الجديدة، وأعطت للعلم والأغانى الوطنية رونقها، وحتى المتظاهرون ضد تدمير الكنيسة رفعوا علم مصر، ورددوا هتافات غاضبة وليست طائفية. ومن حقهم أن يشعروا بالاطمئنان من الدولة القادمة. التى يفترض أن تحمى كل مواطنيها، وتنهى التمييز والتفرقة.
ولن نقول إنها كانت روح الثورة، بل هى عقيدة الثورة التى أسقطت نظاماً غاشماً كان يغذى بظلمه أسوأ ما فى البشر. لكن يبدو أنه ترك داخل نفوس بعض المتطرفين تأثيراته. ورأينا من يتباهى بالاعتداء على الآخرين، فعلا أو قولا. الثورة قامت من أجل الحرية ضد التسلط والديكتاتورية، لكن التعصب أيضا ديكتاتورية وتسلط يجب أن ينتهى مع النظام الظالم.
وإذا كنا نتحدث عن الثورة المضادة، فإنها لا تخرج فقط من فلول نظام سقط، لكنها تخرج من الداخل، وقد حققت الثورة الكثير من المعادلات، التى كانت تبدو مستحيلة، ولن يصعب عليها أن تقتلع الطائفية، وتبنى دولة مدنية تقدم العدل لكل مواطنيها. وعلى الثورة أن تكافح أيضاً ضد هؤلاء الذين يستحلون ويستضعفون بعض المواطنين بسبب الدين أو العرق بينما الناس سواسية.
لقد التقى رئيس الحكومة الجديد بالمسيحيين المعتصمين أمام مبنى التليفزيون، ووعدهم ببناء الكنيسة وعقاب المسئولين عن تدميرها، وربما كانت فرصة لتستعيد الدولة هيبتها، فى مواجهة البلطجة والعدوان على بيوت الله. صحيح أن الدكتور عصام شرف، رئيس الوزراء، كان فى يومه الأول، لكنه تصرف بإيجابية عندما زار الغاضبين، وربما كان يرجوهم أن يعطوه فرصة، وهؤلاء الغاضبين لديهم الاستعداد لمنح فرصة لو وثقوا من التصرف، ولمحوا بادرة للقبض على المعتدين على كنيسة صول ومسيحيى القرية، وتقديمهم للمحاكمة وإعادة الأهالى الذين روعهم المعتدون. ولا يصح لأحد أن يتهمهم بأنهم يبالغون فى رد الفعل طالما التزموا سلمية المظاهرات.
وربما تكون تلك فرصة لفرض القانون ومواجهة البلطجة والطائفية حتى يمكن أن يبدأ البناء. بناء دولة مدنية تمنح العدل والمساواة والحرية لكل مواطنيها.