أعرف أن كلام العقل ثقيل غير مرغوب فيه، وأننا فى وقت الشحن العاطفى للثورة، ويعرف مثلى ممن خرجوا إلى الميادين فى الأيام الأخيرة من يناير وأوائل فبراير الماضى أن الروح هانت، والمكتسبات الصغيرة هانت، والبيوت هانت، مقابل ذلك الهدف الكبير العظيم الذى لم نكن نتخيل أننا سنرى يوم تجليه أو نشارك ولو بأضعف الإيمان فى تحقيقه، ألا وهو تحرير مصر
هذا الهدف العظيم معركة وخاضتها فئات واسعة من الشعب بدءاً من يوم 25 يناير وصولاً إلى تنحى مبارك، لكن الحرب لتحرير مصر مسألة مختلفة، أكبر بكثير من المعركة الأولى الفاصلة، وهناك سلسلة من المعارك علينا جميعاً أن نخوضها بالأسلحة التى تناسبها.
قيل فى حرب 1967 أن المصريين خاضوها بطريقة التفكير التى اعتمدوها فى حرب العدوان الثلاثى عام 1956 فخسروا وربحت إسرائيل التى استعدت جيداً لاستغلال أخطاء النظام الناصرى، أما حرب 1973 فقد استعد لها المصريون بتكتيكات جديدة وخطاب سياسى جديد موجه للداخل والخارج، بينما استكانت إسرائيل لما حققته فى 1967 وما اعتقدت أنه أساسى وراسخ من أخطاء الشخصية المصرية، لذلك انتصر المصريون وانكسر الحكم الصهيونى.
الآن نحن فى أمس الحاجة إلى تكتيكات جديدة وخطاب جديد نواجه به معارك ما بعد معركة التحرير الأولى فى 25 يناير، وهذه التكتيكات الجديدة، جانب منها مسئولية رئيس الحكومة المكلف عصام شرف، وجانب منها مسئوليتنا جميعاً، وجانب ثالث مسئولية الرئيس والبرلمان المنتخبين إن شاء الله.
رئيس الحكومة وحده لا يملك أن يكون مثل حارس المرمى الذى تنهال عليه تصويبات مئات المهاجمين من أصحاب المطالب والمحرومين والمظلومين فى وقت واحد، لن يستطيع أن يواجههم كلهم وتحقيق مطالبهم، لا هو ولا عشرة رؤساء ووزراء مجتمعين، كما لن ينجح فى مهمته ونحن نطالبه بأن يكون مثل رجل المطافئ الناجح الذى يستطيع أن يطفئ حريقاً فى أسوان فى الوقت الذى يطالبه البعض بالخروج إلى ماسبيرو إطفاء حريق ثان، ويناديه فريق ثالث لإطفاء اشتعالات الإسكندرية، لا المعركة هنا أصبحت مثل التخلى عن المواقع المكتسبة من الجولة الأولى والتحرك فردياً للفوز بالغنائم وما تركه الأعداء خلفهم وهم ينسحبون، فهذا بداية التخلى والتراجع لا قدر الله، ونسيان النصر إلى هزيمة أنفسنا لا سمح الله.
شرف أمامه ثلاث معارك أساسية عليه تجاوزها بنجاح فى الفترة القصيرة التى يتولى فيها المسئولية، وأولها تحقيق الأمن فى الشارع والثانية محاسبة المفسدين على اختلاف أطيافهم ومستوياتهم مواقعهم، أما المعركة الثالثة فهى ترميم الاقتصاد ووضع آلية للانطلاق فى عهد جديد نرجوه لأنفسنا ويرجوه المتعاطف معنا لأقصى درجة.
أما معركتنا نحن فى المدى القصير، فهى الصمود والعمل وإعمال الفكر.. نعم، علينا جميعاً أيا كان موقعنا أن نتمسك بالتجويد فى أعمالنا، جزء لنجاحنا الشخصى وجزء آخر من أجل المصلحة العامة، نهبه راضين ونحن نشعر أننا نحارب على خط النار، وفى الوقت نفسه نفكر فى ترتيب أولوياتنا خلال الأيام المقبلة وكيف يرتقى كل منا بموقعه الذى يشغله وهو متأكد أن ما يبذله من جهد إنما سينعكس على معدل الإنتاج العام.
معركتنا فى المدى القصير أن نعرف أدوات معركتنا فلا نخوضها بسلاح الاعتصام والتظاهر فقط، فهو سلام له استخدامه وتوظيفه، لا يجب أن يكون مرفوعاً على الدوام حتى يتحول إلى ذريعة لأعداء الثورة، سلاحنا الملائم لهذه المعركة هو العمل وإنتاج الأفكار والتطوير والإسهام كل فى مجاله، بالتجويد، وتغليب فكرة الاستقرار على مبدأ الخلخلة الذى كان وما يزال هدف أزلام النظام الساقط وطابوره الخامس الذى مازال يعمل خلف ظهورنا.. علينا أن نخوض معركتنا بالأسلحة المناسبة وأن ندع عصام شرف يخوض معاركه والله من وراء القصد.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة