فى حوار شهير مع حسين الشافعى عضو مجلس قيادة ثورة يوليو على قناة الجزيرة، تساءل الإعلامى أحمد منصور حول بعض الممارسات العنيفة من قيادة الثورة تجاه خصومها السياسيين، فكان رد "الشافعى" واضحا قاطعاً "إذا تركتهم سيأكلوك"، الجملة التى تبدو صادمة للوهلة الأولى، ربما تضىء كثيراً مما يحدث حولنا الآن وفى مقدمتها ما حدث فى ميدان التحرير فجر أمس.
ستقرأ كثيراً من الكلام حول الوقيعة بين الجيش والشعب، وستقرأ بيانات استنكارية وتحليلات ترسم خرائط متعددة، لطريق واحد، بعضها قد يصل بنا مباشرة إلى سكة السلامة وبعضها الآخر متاهة تقضى بنا إلى لا شىء، بينما الأمور واضحة وضوح الشمس ولا تحتاج إلا قدراً من الحسم يوازى هذا الوضوح الشمسى!
أولاً، نكرر ونعيد سؤالاً معروف الإجابة، من أين يستمد المجلس العسكرى شرعيته؟ من الشعب، من ثورة 25 يناير مباشرة، وليس من التفويض الفاسد الذى أعلنه الرئيس المخلوع على لسان عمر سليمان.
ثانياً، الشعب المصرى كله يحترم الدور الذى تقوم به قواتنا المسلحة ويقدر لها قيامها بالأعباء الضخمة الملقاة على عاتقها، وفى الوقت نفسه، يطالبها بالاستمرار فى أداء مهمتها التاريخية فى حماية البلاد من أعدائها الخارجيين والضرب على أيدى المفسدين فى الداخل.
ثالثاً، ما حدث فى التحرير فجر أمس، نتيجة طبيعية لعدم إعمال الشرعية الثورية فى محاسبة النظام السابق ورجاله، والاستناد إلى مواد القانون المعروفة فى محاسبتهم على ما يمكن إثباته عليهم من مخالفات مادية، فى الوقت الذى تنطبق على رجال هذا العصر المقولة الشهيرة لوحيد حامد على لسان عادل إمام فى فيلم طيور الظلام "إحنا ناس الباطل بتاعنا قانونى"، دلونى بالله عليكم كيف يمكن إذن إدانة هؤلاء المفسدين ومحاسبتهم على جرائمهم الظاهرة للجميع، بغير الشرعية الثورية، إذا كانوا يستغلون القوانين المشوهة التى سنوها للتغطية على جرائمهم؟
الخلاصة، أننا نريد مراسيم بقوة القانون صادرة عن المجلس العسكرى تجمد الحزب الوطنى، وتتحفظ على جميع كوادره الكبيرة ومحاكمتهم بتهمة ثابتة مبينة، وهى إفساد الحياة السياسية، ويأتى بعدها البحث فى سجلاتهم عن تهم التربح واستغلال النفوذ والكسب غير المشروع ونهب المال العام.
رابعاً، " إذا تركتهم سيأكلوك"، وهذا الكلام أسوقه بصراحة للشعب المصرى كله صاحب ثورة 25 يناير وفى القلب منه المجلس العسكرى الذى يدير البلاد، فلم يعد لهؤلاء "الفلول" عندنا إلاًّ ولا ذمة، بعد أن حاولوا ويحاولون هدم المعبد على رءوسنا جميعاً كلما ضاقت حلقة المحاسبة حول كبارهم، ولاحظوا النغمات النشاز حول إعادة تعريف الثورة بالانتفاضة أو دولة الفيس بوك أو ادعاء عدم سقوط النظام ومروره بمرحلة انتقالية ليس إلا، بالتوازى مع البطء فى المحاسبة والعقاب لرجال النظام السابق.
خامساً، تصور أن "فلول" النظام السابق فى الحزب الوطنى وفى أجهزة الأمن المنحلة، وفى بعض وسائل الإعلام ستسلم بالأمر الواقع وترضى بطى صفحتهم والعيش فى ظلال الشرعية الثورية، هو محض وهم، فهؤلاء الذين استعبدوا الناس ونهبوا المال العام وعاشوا باعتبارهم النجوم والأسياد أصحاب الامتيازات لن يسلموا أبداً، ولن يكفوا أيديهم عن تأليب المواطنين ضد القوات المسلحة نفسها، ورأينا بالأمس كيف ألبسوا عناصر تابعة زياً عسكرياً وأوهموا الأنقياء المطالبين بالتطهير بأنهم يعارضون ممارسات الجيش فى حماية رجال النظام السابق فأحدثوا الفتنة، وغداً قد يدسون عناصر بالزى العسكرى أيضاً تدبر مجزرة تحت سمع وبصر العالم وتفتح النار على المواطنين فى ميدان التحرير، وإلصاقها بالمجلس العسكرى، فهل ننتظر حتى ترتكب عناصر النظام المخلوع مجزرتها المقبلة، ومن سيتحمل المسئولية عندئذ؟ المجرم الحقيقى المعروف أم من سكت عنه أملاً فى أن يلتزم بالقانون!
السادة فى المجس العسكرى الذين نحترمهم ونثق فيهم، تحركوا يرحمكم الله.