عاجلاً أم آجلاً ستنتهى قصص فساد النظام السابق، ويسجن القضاء من يسجن، ويبرأ من يبرأ، فماذا ستبيع الصحافة للناس، ما الذى سيجعل المواطن يدفع من جيبه من أجل شراء صحيفة، أو يستقطع من وقته لكى يجلس أمام التليفزيون أو موقع إلكترونى، أو يدير مؤشر إذاعة حتى يسمعها؟!
قبل الثورة كان قطاع كبير من الصحافة (مطبوعة ومرئية ومسموعة وإلكترونية) وقطاع لا يستهان به من الصحفيين، يبيعون للقارئ سباً ولعناً للنظام السابق، وكان قطاعاً لا يستهان به من الناس يقبلون على الشراء، لأنهم غاضبون، وليس أمامهم طرق ديمقراطية سلمية للتغيير، ولذلك كانوا يسعون وراء صحف ووراء صحفيين ينتقمون لهم من سلطة غاشمة تسد أفق المستقبل والحلم.
لذلك كان طبيعياً أن يبنى عديد من زملائنا الصحفيين مجدهم وشهرتهم، ليس على المهارة الصحفية، ولكن على المعارضة السياسية، ولذلك كان طبيعياً أيضاً أن يتحول عدد كبير من رؤساء التحرير والمذيعين إلى زعماء، بل وكانوا بديلاً عن أحزاب معطلة وسياسيين مقيدين.
لذلك لم يكن مهماً تطبيق القواعد المهنية للصحافة، ولم يكن مهماً احترام حق القارئ فى المعرفة، معرفة موقف كل الأطراف، بما فيها السلطة الحاكمة من أى حد، فالمهم هو أن تتحول الصحيفة أو البرنامج إلى ساحة إطلاق نيران بالحق وبالباطل ضد مبارك ونظامه .
ليس مهماً الآن إن كان هذا الأداء خطأ أم صواباً، فالسؤال الأهم، ماذا ستقدم الصحافة (مطبوعة ومرئية ومسموعة وإلكترونية ) بعد ثورة اللوتس؟ هل يمكنها أن تستمر بذات الصيغة؟
لا أظن، فقد ذهب مبارك ورجاله، وأى رئيس قادم وأى حكومة قادمة، لو تم انتقادها ليل نهار، فلن تحقق للصحف ذات المبيعات، ولن تحقق للصحفيين السياسيين ذات النجومية والبطولة، لأن السلطة الحاكمة لم تعد غاشمة، والجمهور الغاضب لم يعد غاضباً لأنه يستطيع المشاركة بحرية فى أى حزب، بل ويستطيع تأسيس حزب ونقابة وجمعية، ويستطيع أيضاً إسقاط الرئيس وحكومته فى صندوق الانتخابات.
إذن ماذا ستبيع الصحف للناس بعد أن تنتهى قصص فساد النظام السابق؟ ليس أمامها سوى العودة إلى الصحافة، مهنتهم الأصلية، البحث عن المعلومة، الخبر الصادق، الحوار المتميز، التحقيق الذى يكشف وقائع خطيرة تهم الناس، أى يعودون إلى دور الصحافة الذى وجدت من أجله، وهو إخبار المجتمع، حتى يستطيع أن يتخذ مواقف صحيحة بناء على معلومات صحيحة، حق الناس فى المعرفة، دون تزوير سياسى.
وأظن أن القراء لن يتنازلوا عن هذا الحق، وأظن أنهم لا يريدون بعد ثورتنا العظيمة صحافة من يصرخ نيابة عنهم ويسب ويلعن، لكن يبقى السؤال: هل يستطيع زملاؤنا السياسيون العودة إلى الصحافة؟
سنرى..
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة