◄◄ إفساد العلاقة بين الشعب والجيش تستفيد منه الثورة المضادة وتدفع نحو خلافات فرعية بعيداً عن الأهداف
◄◄ الخلط بين المجلس الأعلى والجيش يدفع نحو صدام يضر بالثورة وأهدافها
> >
أقل من ثلاثة أشهر على قيام ثورة 25 يناير، مدة قصيرة بحساب السياسة، لكنها مدة طويلة بحسابات الثورة. البعض يرى أن هناك تباطؤا فى إنجاز أهداف الثورة، وتطهير الدولة من أعوان النظام السابق, كان أهم أهداف الثورة هو «إسقاط النظام», وليس إسقاط الدولة.
الثورة نجحت فى تحقيق الكثير من الأهداف بشكل سريع، وبحساب الوقت فإن الأهداف التى أعلنتها الثورة منذ اليوم الأول كانت واضحة.. إسقاط النظام وإقامة نظام جديد على أساس العدالة والمساواة والحرية.. هناك اتهامات بالبطء والتراخى، وانتقادات للمجلس العسكرى، مع الأخذ فى الاعتبار أن بناء نظام جديد عملية صعبة تحتاج إلى أن تكون الثورة موجودة وقوية، والشعب موحد مع الجيش.
كانت وحدة الشعب أكبر ضمانة منذ البداية لنجاح هذه الثورة، ولو كان هناك انقسام لوقعت حرب أهلية أو انشقاقات وصراعات، ومن بين أسباب نجاح الثورة أن القوات المسلحة حسمت موقفها مبكرا، ورفضت أن تقف فى مواجهة مع الثورة، لأنها كانت من الممكن أن تفقد شرعيتها، وأيضا أن تدفع نحو فوضى أوسع، لكن الموقف من المجلس الأعلى للقوات المسلحة أصبح منذ فترة مختلطا لدى البعض، وهذا الالتباس مرجعه أن المجلس حل بالفعل مكان الرئيس والسلطة التنفيذية، والتشريعية أحيانا، وهو موقع يفترض أن يجعله أكثر قدرة على احتواء الانتقادات، والفصل بين انتقاد المجلس وانتقاد القوات المسلحة، ونفس الخلط نشأ من أن البعض ممن يتعاملون مع المجلس الأعلى ويمدون الانتقاد إلى القوات المسلحة، ولهذا كان اقتراح المجلس الرئاسى، أقرب للمنطق، باعتبار أن يكون هو الجهة التى توجه لها المطالب والانتقادات.
كانت وحدة الأهداف هى ميزة الثورة، بكل تياراتها، لكن طريقة تحقيق الأهداف هى ما اختلفت حوله التيارات المختلفة.. أهم مهام الثورات أن تحدد الأهداف وتتجه لتنفيذها بعيدا عن التفريعات والمعارك الجانبية التى تستهلك الوقت والجهد.
كانت الإطاحة بنظام حسنى مبارك من خلال الضغط الشعبى، وهو إنجاز لم يحدث منذ سنوات بعيدة، بل ربما من مئات السنين، لكن الشك والخوف من نظام قبض على المقدرات طوال ثلاثين عاما جعل البعض يتشكك ويشعر بالخوف والتردد وعدم الثقة.
الثورة نجحت لأنها كانت عفوية، والذين قاموا بها لم تكن لديهم مخططات كبيرة ولا خطط، لكن تلك الميزة هى نفسها العيب، لأن الثورات التى تنفذها أحزاب أو تنظيمات ثورية تتسلم السلطة وتعيد تشكيلها من خلال مناقشات الدولة والثورة والمهام الجديدة التى يفترض أن تقوم عليها الدولة، بصرف النظر عن مدى نجاح أو فشل تجارب مثل الثورة الروسية أو الكوبية، التى انتهت إلى ديكتاتوريات متسلطة.
لقد كان موقف القوات المسلحة منذ البداية مع الثورة، قدم خدمة مهمة للثورة، مختلفا مع مواقف الجيوش فى اليمن وليبيا وسوريا، حيث انضم الجيش إلى الحاكم الطاغية فتأخرت النتائج، وربما يقود إلى حروب أهلية.
كل هذا لم يحدث فى مصر ولا تونس، وهى نقاط تحسب لصالح القوات المسلحة، ومهما كان الخلاف أو الاختلاف مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذى أصبح يقوم بدور مزدوج، هو كل أدوار وسلطات الرئيس، وهى سلطات واسعة جدا، فضلا عن تسيير العمل التنفيذى والتشريعى. ولا يفترض أن يتجاهل البعض أن للجيش مهمة محددة هى حماية التراب الوطنى، ويفترض أن نعترف بأن وضع الأمن القومى المصرى فى خطر، لأن مصر دولة فاعلة ومهمة فى المنطقة، ولديها خطوط وارتباطات مع القضية الفلسطينية، والأمن فى المنطقة فى لبنان والعراق وليبيا والسودان ومياه النيل، وهى ملفات تفرض نفسها فى الوقت الراهن، ولا يمكن تجاهلها، ويصبح غريبا أن نرى من بين من يهاجمون الجيش وينتمون للثورة، يعتبرون مثل هذا الحديث نوعا من المبالغة والتخويف، ربما لأنهم ينشغلون بالثورة دون أن ينشغلوا بالدولة بنفس القدر، ولأن حالة الثورة تمنح البعض تصورا مثاليا عن الدولة يسقط التفاصيل.
ولهذا سارع البعض بتبنى نظرية المؤامرة فى الربط بين ظهور الضباط فى ميدان التحرير يوم «جمعة التطهير»، وأعلنوا رفضهم للمجلس العسكرى، وبين الحرب التى تشنها إسرائيل على غزة، وعلى الحدود المصرية تلك الخطط كانت موجودة أثناء النظام السابق ولا يعنى سقوطه أنها انتهت.
وحتى مع استبعاد الربط المؤامراتى بين ضباط التحرير فى «جمعة التطهير»، والحرب على غزة، فمن الطبيعى أن ضباطا ثوريين يتحدثون عن تغيير النظام، ويصنعون تمردا داخل القوات المسلحة، يجب أن تكون عندهم دراية بالأمن القومى، والأمر لا يتعلق بإسرائيل لكنه يمتد إلى أفريقيا والنيل والأزمة المشتعلة حول حصة مصر، وهى قضية تم إهمالها فى النظام السابق ولا يجوز أن ننساها ونحن نبنى نظامنا الجديد، حتى لا نفاجأ بأن حصتنا من المياه، نقصت إلى النصف.. هل يمكن أن نتجاهل الثورة وهى تبنى نظاما جديدا للأمن القومى وتحدد الأولويات؟
ثم إن الضباط الذين انضموا إلى التحرير وأعلنوا بيانات ضد المشير طنطاوى والمجلس العسكرى، وأعلنوا أن معهم عددا كبيرا من الضباط والجنود، تجاهلوا أنهم فى مؤسسة عسكرية، لها قوانينها التى لا تسمح بالتمرد، وأن القانون فى الحياة المدنية يختلف عن القانون العسكرى، وأبدى بعض المشاركين فى الثورة بهجة من انضمام ضباط دون أن ينتبهوا إلى خطورة أن يتكرر التمرد ويقع صراع أو تمرد واسع يهدد وحدة القوات المسلحة، ويهدد بشكل مباشر الدولة التى لا يمكن أن يكون هدف الثورة تفكيكها.
الحديث عن أهداف وخطط خارجية أمر طبيعى فى حالة مثل مصر، فضلا عن دور واضح لبقايا النظام السابق فى إشعال الحرب الداخلية و«توتير» العلاقة بين الشعب والقوات المسلحة بما يبعدها عن المطالب والأهداف الواضحة للثورة فى بناء نظام جديد ينتهى إلى العدالة والديمقراطية وتكافؤ الفرص.
وربما على من يدفعون إلى التصادم أن يعرفوا أن انهيار القوات المسلحة يهدد الثورة، وأى تهديد لها يهدد الأمن القومى، وإذا كان الغياب الأمنى وانهيار الأمن فى وزارة الداخلية لا يزالان محل اعتبار، فإن الجيش كان البديل السريع لتأمين الدولة وحماية الثورة، ولا يمكن تصور التصادم فى هذا التوقيت ولو على سبيل البراجماتية، لأن الجيش سوف يعود إلى ثكناته، ويمكن بعد انتخاب رئيس وبرلمان أن يتم الحديث عن شكل المؤسسات، لأن توتر العلاقة بين الجيش والشعب، أمر يراه أنصار الدولة خطرا، بينما بعض ممن يهاجمون الجيش يرونه ليس بالخطورة التى يتحدثون عنها، بل إن هناك من يسخر من الأمر بنوع من السطحية واليقين الكاذب.
ثم إن الجيوش فى العالم كله بما فيها الدول الديمقراطية لها أسرارها وقوانينها التى تختلف من حيث الشفافية والإفصاح عن الحياة المدنية، وبالتالى فإن تمرد ضباط يفتح الباب لمزيد من التمرد والتفكك بما يضر بالهدف الأصلى.
وهو رأى اتفقت معه القوى الوطنية ومنها بعض المشاركين فى ائتلاف الثورة وإن كان بعضهم اختلف، وعلى سبيل المثال الدكتور محمد البرادعى اعتبر العلاقة بين الجيش والشعب خطا يفترض الحفاظ عليه، وحتى الذين انتقدوا استخدام الجيش القوة فى فض اعتصام الجمعة أكدوا هذا وأبدوا تخوفهم من ظهور الضباط بملابسهم الميرى فى ميدان هو مدنى فى الأساس.
لقد شاركت فئات وتيارات كثيرة ومختلفة فى ثورة 25 يناير فى مراحل مختلفة، هناك طليعة شاركت منذ اللحظة الأولى دون يقين كامل فى النجاح، واكتشفوا قوتهم فى المجموع والوحدة، وكشفوا ضعف النظام وتهالكه، وتحقق النجاح لكن اتضح أنهم لم يكونوا جاهزين بخطط، كانت هناك تيارات منظمة، وربما لديها خطط مثل الإخوان المسلمين، لكن التيارات اليسارية والليبرالية لم تكن لديها خطط أو برامج جاهزة لإدارة الدولة ، بل إن حكومة الدكتور عصام شرف نفسها تتعرض لتشكيك وانتقادات طبيعية مع أى حكومة، ومع الاعتراف بأنه لا أحد يفترض أن يحصل على «كارت بلانش» أو تفويض كامل، فقد كانت الثورة مستمرة وميدان التحرير كل يوم جمعة يمتلئ بالشعب من كل الفئات، ولا يمكن الجزم بأن كل من يذهبون إلى التحرير لديهم تصورات واحدة عن شكل الدولة، والنظام، لكن لديهم مطالب واحدة فى الحرية والعدالة والمساواة، يفترض أن يتوحدوا حولها وأن تكون الأهداف واضحة وألا ينشغلوا بالفرعيات والمعارك الجانبية التى تهدر الوقت والجهد، وتمنح الفرصة لكل من يريد الانقضاض على الثورة أو مطالبها.
الخلاف أمر طبيعى يفترض أن يتم احتواؤه من خلال الحوارات أيا كانت سخونتها وأيا كان عنفها لكن يفترض أن تظل حول الأهداف، وألا تفارقها إلى معارك وشتائم ومطالب فردية.
الطبيعى أن يجتمع المشاركون فى الثورة ويحددوا المطالب المتفق عليها هى مطالب أو أهداف واحدة لدى الجميع بصرف النظر عن شكل الطرح، ولا يمنع هذا من وجود تيارات وجماعات لديها طموحات أو حتى مطامع، لكن ما جرى أن عمليات التخوين والاتهامات الجاهزة على تويتر وفيس بوك أصبحت فى جزء منها تستسهل بشتائم قبيحة وهمز ولمز بالأم والأب.
لقد كانت أهم العناصر المهمة أن الثوار الذين ضحوا بحياتهم وكسروا حواجز الخوف، كانوا كيانا واحدا، وهو أمر شجع على أن يحسم الجيش موقفه، منحازا للثورة، وعلى المجلس الأعلى أن يقبل النقد، وفى الوقت نفسه على كل من يتصدى للعمل العام أن يكون جاهزا لقبول النقد، وألا ينجرف الجميع فى جدل قد يطيح بالجميع ويدفعهم بعيدا عن الهدف.
هل تؤثر أحداث «جمعة التطهير» على العلاقة بين الجيش والشعب
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة