أعرف أنك فرحان بتلك "الخمستاشرات" التى تخرج على ورق من مكتب النائب العام لكى تضع أسماء مثل سرور وعزمى والشريف وعلاء وجمال مبارك بل ومبارك نفسه فى السجن، وأعرف أنك تطلب ممن بجوارك أن يقرصوك بالتزامن مع ظهور أى "خمستاشر" يوم سجن للنور حتى تتأكد من أنك لا تحلم، وأعرف أيضا أنك "شمتان" فى سجن مبارك ورجاله، ولكنك تحاول أن تبدو رحيما عبر استخدام جملة "اللهم لا شماتة" قبل أى كلام عن سجن مبارك وأولاده وأتباعه، وأعرف أن مانشيتات الصحف وأخبار صفحاتها الأولى وما تسمعه فى برامج المساء من حكايات عن مبارك وعائلته وعن الوزارء وما يحدث لهم فى سجن طرة يشفى الكثير من غليلك ويرضى الكثير من رغبتك الانتقامية التى تملأ صدرك، ولكن هل يجوز لى أن أتدخل وأضرب كرسى فى كلوب تلك الحفلة التى تسمتع بها الآن؟!
ضع صحف مصر كلها أمامك، وحاول أن تشاهد توك شو أو أكثر فى نفس اليوم وستدرك أن الثورة ورياح تغييرها زارت أجهزة ومجتمعات ونفوس كثيرة، ولكنها لم تطرق بعد باب الصحافة والإعلام، ودعنى أكون صريحا معك وأقول أن حبس مبارك أو سجن أتباعه أو حتى إعدامهم ليس هو المتمم لنجاح تلك الثورة، الثورة لن تنجح ولن يكتمل نموها إلا بإصلاح حال الإعلام والقضاء.. الثورة لن تصبح ثورة إلا بعد أن تطول منصة القضاء وصفحات الجرائد وشاشات التليفزيون وتنسف ما بداخلهما من كتل فساد ربما تكون أخطر وأكثر ضررا من فساد إهدار أراضى الدولة والتلاعب فى البورصة.
طبعا لا داعٍ لأن ألفت انتباهك بحالة التحول الغريبة التى أصابت الصحف القومية وحولت كل محرر فيها كان يسبح بحمد مبارك وأسرته إلى مناضل يغرز سيفه بكل شجاعة فى جسد مبارك وأتخن تخين من رجاله، ولا داعى لأن ألفت انتباهك لمقدمى البرامج الرياضية الذين كانوا يسبقون اسم الرئيس السابق مبارك دائما بجملة شهيرة هى راعى الرياضة والرياضين، ثم فجأة وبعد 25 يناير خرج كل واحد فينا ليخبرنا عن قصصه النضالية فى وجه الرئيس السابق، ولا داعى لأن ألفت انتباهك إلى أن هؤلاء فى الصحف وفى البرامج تحولوا من نفاق مبارك ورجاله إلى نفاق الرأى العام ورجال المجلس العسكرى.
لا داعٍ لأن ألفت انتباهك إلى كل ذلك وماهو أكثر منه لأنى على يقين من أنك تلعن هؤلاء المتحولين كل يوم، ولأن الفيديوهات المسجلة والصحف القديمة تملك كل دلائل إدانتهم، وقادرة على أن تجعلنا نفرق بين الشرفاء الذين رفضوا النوم فى حضن السلطة، والموالين الذين ارتموا فى أحضانها وبعد أن ماتت لعنوها بلا خجل أو كسوف، دون أن يدركوا أن الشعب المصرى يؤمن بالمثل الشعبى القائل: "بعد العيد ما يتفتلش الكحك"، أى بعد رحيل مبارك من السلطة لا يمكن اعتبار نقده نوعا من أنوع البطولة.
وبعيدا عن تلك التحولات النفاقية توقف لحظة أمام مانشيتات وأخبار الصحف المصرية الخاصة بالرئيس مبارك وأسرته وستجد أمامك كما فاضحا من عدم المسؤلية والضحك على الناس والرغبة فى نشر أى نميمة تسلى القارئ، الصحف المصرية الخاص منها والقومى ينشر عشرات الأخبار عن مبارك وعلاء وجمال وسوزان اعتمادا على مصدر واحد هو "المصدر الذى رفض ذكر اسمه"، والغريب أن هذا المصدر يقول كلاما مختلفا فى كل صحيفة عن الأخرى، ففى مرة تجده يقول إن زنزانة علاء وجمال مساحتها 6 أمتار وفى صحيفة أخرى يقول إنهما مسجونان فى عنبر مساحته 50 مترا، وفى يوم آخر يقول إن مبارك مريض وممتنع عن الطعام، وفى نفس اليوم وفى صحيفة أخرى يقول إن خديجة دخلت عليه بطعام شهى تناوله وقرأ الجرائد، وفى صحيفة أخرى يقول إنه طرد خديجة وهايدى، ونفس هذا المصدر، الذى رفض ذكر اسمه، يقف وراء مراسلين برامج التوك شو فى مدينة شرم الشيخ ليجعلهم يقولون أخبارا متناقضة على لسانه، حيث تجد المراسل من دول واقف ومن خلفه يبدو مستشفى شرم الشيخ ويخبرك بأن المصدر الذى رفض ذكر اسمه قال له إن صحة مبارك فى تحسن ويأكل ويقرأ الصحف، وفى رسالة أخرى يخبرك بأن نفس المصدر أخبره بأن مبارك تدهورت صحته ودخل فى حالة اكتئاب.
أنا لا أقول هنا إننا أمام أخبار أو قصص خيالية، ولكننا أمام حالة من إعدام المهنية، حالة من الخجل المهنى تدفع كل صحيفة أو كل صحفى لأن يلجأ إلى الإفتاء والاعتماد على حكاوى شفهية من شخصيات لا علاقة لهم بأى شئ من أجل أن يكون لديه قصة ينشرها، نحن أمام حالة مرفوضة أخلاقيا لأن الاستهتار فى نشر أخبار عن الرئيس المخلوع وأسرته يحمل فى طياته نوعا من الجبن، على اعتبار أن نشر أى كلام وأى حكايات لن يجد من يكذبه بعد أن أصبح مبارك وأسرته خارج السلطة وفى السجن وبعد أن أصبح المزاج العام فى الشارع ميالا لأن يصدق أى شئ عن الأسرة التى كانت تحكم مصر طالما يحمل فى سطوره بعضا من الإذلال لمبارك وأبنائه.
افرح قدر ما شئت بسجن مبارك ومحاكمته وإعدامه، ولكن تذكر دائما أن البطولة الآن لم تعد فى الهجوم على ذلك الرجل الضعيف وأسرته، تذكر أن البطولة الآن ليست فى نقل أى أخبار غير معلومة المصدر وتذكر أيضا أن ثورة 25 يناير اشتعلت من أجل أن تحرق الفساد لا أن تورثه بأشكال مختلفة، لا تدعموا الصحف ووسائل الإعلام وهى تسير فى هذا الاتجاه، لأنها مازالت تعاملكم بنفس الطريقة وكأنكم بسطاء وسذج يجلسون على رصيف الكورنيش فى انتظار أخبار التسالى والنميمة، خذوا موقفكم وأخبروهم أن الثورة غيرتكم وأنكم فى حاجة إلى إعلام يحدثكم بصدق عن الواقع ويشرككم فى وضع رؤى المستقبل.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة