معظم النظم الديكتاتورية التى عرفها التاريخ كانت من ( الحرامية).. ولكن الغريب هنا هو غباء (الحرامى) رغم أن الحكومة الراحلة كانت تصف نفسها بالذكية إلا أن عمليات الفساد التى تتكشف كل يوم تؤكد أنهم مجرد لصوص هبل عاشوا لفترة مع ناس مساطيل.. وحجم المليارات المنهوبة فى القضايا الأولية التى عرضت على النيابة العامة وكمية الأدلة والمستندات والعقود المرفقة تؤكد أنهم كانوا فى منتهى الشفافية فى شفط مال الشعب وممتلكاته بل سجلوا جرائمهم بالمستندات، ووقعوا عليها وكأنها إنجازات قومية رغم أن الهاوى فى مجال الإجرام يعلم أن طمس معالم الجريمة هو الأهم ولكنهم كانوا يرفعون على أكتافهم جسم الجريمة ومتصورين مع القتيل.. الأمر الذى أزعج الكثير من المجرمين المحترفين من المقيمين فى المزرعة هايتس أو أبوزعبل لاند لأن السادة الوزراء حرامية ( كيجى تو) لا يستحقون الانضمام لجهابذة الأجرام ورواده ويكفيهم السجن فى أى منطقة عشوائية أو زنزانة درجة ثالثة.. نحن بلا شك أمام ظاهرة كونية فريدة من نوعها فلقد كانت السرقة فى هذا العهد الجليل (عينى عينك) بل كان الجانى يتفاخر بإنجازاته أمام المجنى عليه.. فلو تذكرنا تصريحاتهم القديمة وهم يتحدثون عن عجز الموازنة والمجهود الهائل التى يقومون به حتى يصل الدعم إلى مستحقيه لأدركنا الآن من هم مستحقى الدعم المزعوم، وكيف دعموا أنفسهم وتركوا الشعب على الحديدة.. وفى علم الجريمة هناك اهتمام بالغ بما يطلق عليه (دوافع الجريمة) وهى الأسباب التى تدعو المجرم لارتكاب جريمته وبعضها يعود إلى المجرم نفسه كالجشع والطمع وحكاوى الشيطان الشاطر والبعض يرجع للمجنى عليه الذى قد يشجع المجرم على استغلاله لأنه غافل أو مغفل أو أعمى.. وهناك عمى لا إرادى ينتج عن فقد البصر وهناك عمى إرادى ينتج عن غلق العينين وهناك عمى ثالث ينتج عن فقدان البصيرة.. ولكن بما أننا والحمد لله فتحنا فلا داعى لجلد الذات بل علينا أن نذكرها فقط بأن الملايين منا شاركوا فى مهزلة النظام السابق فلا يمكن أن تبرئ رجال الشرطة من فضائح أمن الدولة ولا يمكن أن تعفى موظفى وزارة الزراعة من جريمة الأسمدة والمبيدات المسرطنة، ولا يمكن أن تتعاطف مع موظفى وزارة الصحة على ما وصلت إليه الصحة وقرارات العلاج المجانى.. ناهيك عن العاملين فى وزارات الخصخصة والمصمصة والتخصيص والتخليص.. وكل الوزارات التى شاركت فى فساد وزرائها بدعوى العمى أو التعامى أو التعتيم.. لقد كان صمتهم وغفلتهم من أهم دوافع الجريمة وأبرز أسبابها.. يجب أن يكون هؤلاء الموظفين هم عيون الناس على أنشطة تلك الوزارات وأداء الوزراء ولا أطالب هنا بجواسيس أو مرشدين بل بمواطنين يقدرون أنهم لا يخدمون الوزير بل يخدمون الوطن وشعبه.. وللأسف استشعر صعوبة بالغة فى ذلك بسبب الفساد الكارثى الذى غمر الكيان الإدارى للعاملين فى الدولة والذى مازال منا من يشجعه ويرعاه بدعوى إنهاء أوراقه أو الحصول على حقوقه ومستحقاته أو استمرار أعماله وتجارته ومشروعاته.. لم تؤثر الثورة فى ذلك ومازلنا نسمع الكثير من القصص حتى الآن عن استغلال النفوذ والتربح وطلب الرشاوى فى العديد من المؤسسات الحكومية ويقال إن التعريفة لم تتغير رغم أن الوزير تغير والرئيس تغير فهل الشعب لم يتغير؟.. ولن أدخل فى متاهة اجتماعية حول الارتباط الشرطى بين وجود المرتشى ووجود الراشى ولكننا نلخص الموضوع فى بلاهة على أنه مصالح أو رزق أو حتى إكرامية ولكننا نعلم جيدا أننا نشارك فى نمو الفساد بهذا السلوك ونؤهل العاملين فى الدولة لهذه (التناحة والتنبلة) فى التعامل مع سرقات الكبار وفسادهم فكلها مصالح (كل برغوت على قد دمه) باختصار شديد يجب أن نمتنع عن تقديم الرشاوى تحت أى مسمى وفى أى ظرف وأن نطالب بحقوقنا ونمارس أنشطتنا الاقتصادية بعيدا عن هذا الدنس الذى خرب المجتمع كله وجعل منا شعب من المساطيل يسرقهم بشراهة مجموعة من الوزراء البلهاء لسنوات طويلة وبالمستندات الرسمية.. إنها مسئولية جماعية أن نحترم الثورة التى شاركنا فيها.. وأن تكون البداية الحقيقية لمجتمع صالح وليس مجتمع مصالح تباع فيه الضمائر ولكل منها ثمن بداية من الغفير وحتى الوزير، وجار التحقيق الآن مع رئيس الجمهورية.. فهل يمكن أن يقوم كل من بالتحقيق مع نفسه بمناسبة تلك الثورة السعيدة وأن يعترف ولو لنفسه فقط بدوره الضئيل فى تلك الظاهرة الكونية الفريدة من نوعها.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة