احتجنا سنوات عقوداً طويلة لنقتنع بأن التوقيت الصيفى والشتوى أمر بلا فائدة.. استهلك الجدل حول قضية التوقيت أوقاتا ومناقشات بين أنصار هذا وذاك.. وكانت الحكومات السابقة تصر على تغيير الساعة كل عام مرتين أو ثلاثاً.. أنصار التعديل كانوا يقولون إنه يوفر الطاقة والوقت.. مع أننا لم نكن نجد للوقت أى قيمة ولا للطاقة أى فائدة.
قالوا إن التوقيت الصيفى يوفر الكهرباء، فى الشوارع والمكاتب مع أننا كنا نجد أعمدة الإنارة فى الشوارع تظل مضاءة طوال النهار، والمكاتب تظل مضاءة ليلا ونهارًا.
كان يمكن أن نقتنع بأن التوفير أو الاقتصاد مفيد لو كان النظام وحكومته يخافون على الطاقة والثروة، لكننا اكتشفنا أنهم يوفرون عدة ملايين كهرباء يسرقها شخص واحد أو مجموعة أشخاص.. كان المال العام مباحًا بكل صوره وأشكاله مصانع وشركات وخلافه.
الوقت كان سيفا من ذهب فى الأشعار والحكم، لكنه أقل من الصفيح فى الشارع والمواعيد وإشارات المرور.. يمكن للمواطن أن يقضى ساعتين فى مشوار يستغرق عشر دقائق أو يحتاج خمس ساعات ليتحرك خمس كيلومترات، وبالتالى لم يشعر أحد بالفرق بين التوقيت الصيفى والشتوى أو الوقت أساسًا.
الأمر الآخر أن أنصار التوقيت المزدوج فى حكومات سابقة كانوا يبدون حرصا على التوفير، بينما يضاعفون الاستهلاك كل وزير كان يتحرك بعشر سيارات وحوله عشر سيارات أخرى للحراسة ويتم إغلاق الطرقات له.. وتعطيل الناس وكل هذا يستهلك عشرات ومئات الملايين فى العام لا تلفت نظر أحد من الوزراء، بينما يصرون على توقيت مرتبك لا يوفر شيئا.
التوقيت الصيفى والشتوى كان مجرد كلام وشعارات لا تطبق، ولا يعمل بها أحد.. والمثير أن مجلسى الشعب والشورى والحكومة والصحافة الحكومية كانوا ينشغلون ويشغلون الناس بالجدل حول تقديم الساعة أو تأخيرها بينما يتجاهلون قضايا الناس الأساسية لم نر على سبيل المثال جلسة لمجلس الشعب تبحث خطورة أمراض الكبد والكلى والسرطان ولم تنعقد جلسة لمناقشة خطر العشوائيات والفقر.. لم يكن الأمر يلفت نظرهم بينما يركزون على كل ما هو هايف وتافه.
لم تكن المشكلة فى التوقيت، وإنما فى الفساد الصيفى والشتوى والخريفى والربيعى وكل المواسم وفى طريقة تفكير تتجاهل المهم وتركز على الفرعى.
ولا يكفى إلغاء التوقيت لننتقل من حال إلى آخر بل نحن بالفعل نحتاج إلى إعادة النظر إلى الوقت ومواجهة زحام المرور الذى أصبح يستهلك الوقت والطاقة.. لأن التوقيت كان صيفيًا وشتويًا والفساد فى كل المواسم.
ولهذا وبما أننا نتجه إلى بناء نظام جديد لا يكفى إلغاء التوقيت بل إلغاء طريقة التفكير التى تركز على التافه وتنسى المهم.. وعلينا مراعاة فروق التوقيت والفساد.