حل جماعة الإخوان بقرار من مكتب الإرشاد، وتوفيق أوضاعها حتى يكون حزب "الحرية والعدالة" هو الكيان الشرعى الوحيد المعبر عنها، أهم قرار يمكن أن يتخذه قيادات الجماعة ليدخلوا التاريخ من أوسع أبوابه، وليرتفعوا إلى مستوى التحديات التى يتطلبها العهد الجديد الذى نقف على أعتابه نراوح بين الاختيارات.
إعلان قرار الحل من داخل مكتب الإرشاد يغلق مرحلة المؤسس حسن البنا وظلاله التى امتدت بين مد وجزر بعد رحيله، وهى مرحلة تاريخية مليئة بالأشواك والدماء، ظلت هى المهيمنة على موقف الجماعة من السلطة والمجتمع حتى الآن، خاصة أن كوادر الجماعة لم تستطع تجاوز ما طرحه المؤسس من أفكار تخص التطوير والانطلاق إلى هدف إعلان الخلافة الإسلامية، أو على الأقل البدء بتدشين الدولة الإسلامية الجامعة فى مصر.
وإذا التمسنا العذر لمؤسس الجماعة فى تصوره للجماعة وطريق صعودها، فذلك يعود لعدة أمور، بعضها يرتبط بعوامل خارجية وبعضها الآخر يرتبط بعوامل داخلية سبقت إعلان التأسيس عام 1928 بالإسماعيلية، فقد كانت تلك الفترة التى أعقبت دستور 1923 مخاضا مستمرا لكثير من الحركات والتكوينات والمحافل، وكانت هذه القوى السياسية تتنفس جميعها نسيم الحرية والحركة فى مجتمع ومناخ هو نفسه آخذ فى التشكل، فرأينا الأحزاب السياسية والجماعات الدينية والمحافل الماسونية والبهائية والنقابات العمالية تتلمس الخطى، فى ظل القانون، وعلى المستوى الخارجى، كانت الدول العربية خارجة للتو من كابوس سقوط الخلافة وتأثير حرب عالمية وسطوة تيارات أوربية ثورية فى إيطاليا وإسبانيا وألمانيا، كما كانت تكافح لنيل حريتها واستقلالها عن الاستعمار الأوروبى.
فى هذا السياق وضع حسن البنا تصوره لجماعة الإخوان المسلمين ليقوم على ثلاثة أجيال متتابعة، أولها جيل التكوين، والجيل الثانى هو جيل الجهاد وعليه تنفيذ ما يؤمر به والطاعة التامة فرض عليه، أما الجيل الثالث فهو جيل الانتصار الذى يتولى أمر المسلمين وحكمهم بالشريعة الإسلامية فى دولة الخلافة، كهدف نهائى لعمل الجماعة ووجودها.
قد يكون للمرشد الأول مبرراته لهذا التصور المحكوم بعوامل داخلية وخارجية آنذاك، لكن المؤكد أن تلك العوامل قد انقضت وانتهت تماما، كما رحل المرشد الأول منذ أكثر من ستين عاما، فهل يعقل أن تستمر تلك التصورات حاكمة لجماعة الإخوان المسلمين حتى الآن، رغم كل التغيرات التى عصفت بالعالم من حولنا ورغم التغيرات التى مرت على بلدنا؟
قد يقول قائل، وما أدراك أن جماعة الإخوان بدورها لم يلحقها التغيير؟ وماأدراك أن تصورات المرشد الأول وأحلامه مازالت هى الحاكمة والمسيطرة؟ أقول إن التغيير الوحيد الذى طرأ على جماعة الإخوان هو انفصال فريق من الوسطيين، ليؤسسوا لأنفسهم حزب الوسط، دون أن يلحقوه بفرع خلفى من "الجماعة"، كما أن الشواهد وتصريحات القيادات فى الجماعة كلها تشير إلى حاكمية حسن البنا وهو فى قبره على أفكار وممارسات مكتب الإرشاد.
أريد أن يدلنى أحد الإخوة فى مكتب الإرشاد عن الفرق بين جيل الجهاد المنوط به تنفيذ عمليات الجماعة فى طاعة تامة بحسب تصور"البنا" الراحل منذ ستين عاما، وبين استعراض ميليشيا الجماعة الشهير فى جامعة الأزهر عام 2006، هل تذكرون هذا الاستعراض العسكرى باللباس الأسود المميز الذى يذكرنا بزى الحرب لدى حماس وحزب الله، علام يدل هذا الاستعراض إذا لم يكن يدل بوضوح على سيادة فكرة حسن البنا عن جيل الجهاد الذى ينفذ ما يؤمر به فى طاعة تامة لمواجهة الطاغوت؟
ما أريد أن أخلص إليه أن جماعة الإخوان المسلمين المحكومة بتصورات مرشدها الأول هى كيان تاريخى، بعيد كل البعد عن لحظتنا الحاضرة رغم الانتشار المؤقت فى وسائل الإعلام التى تربط بين زوال النظام وعودة الحياة لمعارضيه بشكل آلى، وأن الحل الوحيد لدمجها فى المجتمع يبدأ بأن تتخلص من العيش فى جلباب المؤسس حسن البنا، وأن تبدأ مرحلة جديدة من العمل السياسى الحزبى على أساس من التنافس الديمقراطى مع سائر الأحزاب السياسية بعيدا عن أى وصاية أو إقصاء، خاصة أن الجماعة ممنوعة ما زالت من العمل بحكم القانون، وأن السماح بتواجدها بقرار شفوى من السادات أو انتشارها وحضورها بعد تنحى مبارك، إنما هو أشبه بالإفراج الصحى، لا يسقط جريمة ولا يعيد اعتبارا.
والله من وراء القصد هو يهدى السبيل.
موضوعات متعلقة..
حل جماعة الإخوان
الشعب يريد إسقاط الإخوان- 2
الشعب يريد إسقاط "الإخوان"
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة