لم تعرف النظم السياسية مسمى أو منصب "المرشد" أو القائد الذى يجمع بين السلطات الدينية والدنيوية إلا فى ثلاث حالات فقط، أولاها: حالة دولة الفاتيكان الرمزية التى تمثل المسيحيين الكاثوليك فى العالم، حيث يمثل بابا الفاتيكان المنتخب من قبل مجمع الكرادلة السلطة الأعلى فى دولة رمزية يديرها رجال الدين، ويتمتع فيها بصلاحيات غير محدودة مدى الحياة.
والحالة الثانية: تمثلها بامتياز الجمهورية الإيرانية، حيث يجمع "المرشد الأعلى للجمهورية" أو "الولى الفقية" بين السلطتين الدينية والدنيوية ويتبوأ قمة هرم النظام السياسى للدولة، فهو ولى الأمر وإمام الأمة فى زمن غيبة الإمام المهدى، وتحدد المواد 107، 109، 110 من الدستور الإيرانى شروط اختياره ومهامه وصلاحياته، فيشترط أن تتوفر لديه الكفاءة العلمية اللازمة للإفتاء فى مختلف أبواب الفقة، والعدالة والتقوى اللازمتان لقيادة الأمة الإسلامية، والرؤية السياسية والاجتماعية الصحيحة، والتدبير والشجاعة والكفاءة الإدارية الكافية للقيادة، كما تتسع صلاحياته للهيمنة على مختلف القطاعات المدنية والعسكرية فى الدولة.
أما الحالة الثالثة للقيادة التى تجمع بين السلطتين الدينية والدنيوية ،يمثلها مرشد جماعة الإخوان المسلمين حسب لائحة الجماعة التى تم إقرارها عام 1938 وتم تعديلها عام 1982، فالمادة العاشرة من هذه اللائحة تحدد ثلاثة شروط يجب توافرها فى المرشح لمنصب المرشد العام، ألا يقل عمره عن أربعين سنه هلالية، وان يكون قد مضى على انتظامه فى الجماعة، أخاً عاملاً مدة لا تقل عن 15 سنة هلالية، وأن تتوافر فيه الصفات العلمية الشرعية والعملية والخلقية التى تؤهله لقيادة الجماعة.
أيضاً، تمنح المادة التاسعة من اللائحة "المرشد العام للإخوان المسلمين سلطات واسعة وتنص على أنه المسئول الأول للجماعة ويرأس مكتب الإرشاد العام ومجلس الشورى العام ويقوم بعديد من المهام منها، الإشراف على كل إدارات الجماعة وتوجيهها ومراقبة القائمين على التنفيذ ومحاسبتهم على كل تقصير وفق نظام الجماعة، وتمثيل الجماعة فى كل الشئون والتحدث باسمها و تكليف من يراه من الإخوان للقيام بمهام يحدد نطاقها له.
وعندما يتم اختيار المرشد العام عليه أن يؤدى العهد أمام مجلس الشورى العام على النحو التالى: "أعاهد الله تعالى على التمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ما استطعت إلى ذلك سبيلاً والالتزام بمنهج الإخوان المسلمين ونظامهم الأساسى منفذاً لقرارات الجماعة المناطة بى ولو خالفتى رأيى والله على ما أقول شهيد".
ومثلما يحكم المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية فى إيران من خلال هيئات ومؤسسات تبدو مستقلة فى ظاهرها مثل مؤسسة الرئاسة ومجلس تشخيص مصلحة النظام ومكتب القيادة وأفرع المؤسسة العسكرية، يبدو تصور الحاكم فى جماعة الإخوان قريبا جدا من تصور الولى الفقيه، ولكن فى دولة دينية إسلامية سنية، حيث يقف المرشد العام على قمة الهرم السياسى ويحكم من خلال مكتب الإرشاد ومجلس الشورى العام.
هذا هو الوضع نظرياً، أما عملياً على الأرض، فالجماعة تستعد لإطلاق حزب "الحرية والعدالة" ويتولى رئاسته أحد القيادات الإخوانية البارزة، والغالب على تصور الحزب حتى الآن أن يكون فرعاً تابعاً للجماعة الأم، أى أن رئيس هذا الحزب الإخوانى الجديد سيكون تابعاً للمرشد العام فى التسلسل الهرمى للقيادة، حتى وإن خرجت التصريحات من مكتب الإرشاد تقول باستقلال الحزب. وفى حالة استحواذ الحزب على النسبة الغالبة فى الانتخابات البرلمانية المقبلة، يكون من حقه تشكيل حكومة يتولاها رئيس الحزب الأدنى فى التسلسل القيادى داخل الجماعة من المرشد العام، فماذا يكون عندئذ شكل وهوية النظام السياسى الحاكم فى مصر؟
إذا تم الاتفاق بين أعضاء لجنة "الوفاق الوطنى" برئاسة الدكتور يحيى الجمل، على أن يحدد الدستور الجديد شكل الدولة بالنظام البرلمانى الذى يحكم فيه رئيس الحكومة، مع منح بعض الصلاحيات المحددة لرئيس الدولة، نكون أمام تشكيل غريب لنظام الحكم فى مصر، لا يماثله إلا النظام الهرمى للدولة الدينية فى طهران.
سنكون لأول مرة أمام حكومة إخوانية ورئيس وزراء يملك فعليا مقاليد السلطة، ومحكوم لاعتبارات لا حصر لها بالولاء للجماعة ومرشدها العام، الذى سيصبح عندئذ فى موضع الولى الفقيه مباشرة، يرتفع درجة على مؤسسات الحكم جميعها ويستطيع التحكم فيها وإداراتها.. فهل تنزلق مصر وفق هذا التصور إلى دولة دينية سنية موازية لحكم الملالى فى طهران؟
موضوعات متعلقة...
الشعب يريد إسقاط "الإخوان"
الشعب يريد إسقاط الإخوان- 2
حل جماعة الإخوان
حل جماعة الإخوان.. المأزق والفرصة
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة