قبل أيام دُعيت لمائدة مستديرة لبحث قضية تعيين وزير جديد لشئون مياه النيل وأفريقيا.. نظم الدعوة منتدى الحوار الوطنى الذى انطلق أثناء ثورة 25 يناير بمبادرة من السفير حمدى صالح المساعد السابق لوزير الخارجية، وبمشاركة الدكتور عصام شرف رئيس الوزراء قبل تعيينه رئيساً للوزراء..
النقاش تركز حول علاقات مصر المتوترة مع دول منابع النيل بشكل عام ومع أثيوبيا بشكل خاص.. هذا التوتر نشأ فى الأساس على خلفية متغيرين رئيسيين الأول يتعلق بتوقيع دولة بروندى مؤخراً على الاتفاقية الإطارية لدول حوض النيل التى تسحب من مصر حق الفيتو الذى بموجبه لا تتمكن أى من دول الحوض إنشاء سدود أو مشروعات على مجرى نهر النيل إلا بعد موافقتها على هذه المشاريع رسمياً.. فى حال دخول تلك الاتفاقية حيز التنفيذ سيكون من حق هذه الدول إقامة المشروعات والسدود على النهر بحرية كاملة بدون الرجوع إلى مصر.. هذا التطور آثار مخاوف الخبراء والمواطنين المصريين بشأن الأمن المائى لمصر فى المستقبل..
بناء على هذه المخاوف انطلقت المبادرات الشعبية تتحرك بحس وطنى صادق نحو أفريقيا فكانت زيارة الوفد الشعبى الناجحة لأوغندا، ثم الزيارة المرتقبة للدكتور شرف إلى أثيوبيا وعدد من دول حوض النيل.. الهدف من هذه التحركات إصلاح ما أفسده النظام السابق، بعد شعورنا جميعا بالذنب من الإهمال غير المبرر الذى ظل مسيطراً على علاقات مصر بدول القارة السمراء طول العقود الخمس الأخيرة، وما ترتب عليه من تراجع الدور المصرى بشكل مثير.
أما المتغير الثانى الأكثر خطورة هو مشروع بناء سد الألفية على فرع النيل الأزرق بالقرب من الحدود الأثيوبية السودانية.. هذا السد هو الأول ضمن سلسلة يسعى رئيس الوزراء الأثيوبى مليس زيناوى إنشاءها مستقبلاً على أفرع مختلفة من نهر النيل.. ما نشر عن سد الألفية أنه سيكون واحدا من أضخم سدود العالم، حيث تقدر تكاليفه بحوالى 7 مليار دولار ويحجز حوالى 20 مليار متر مكعب من المياه المتساقطة على هضبة أثيوبيا..
التقديرات تتحدث عن أن خطط زيناوى ربما تؤثر بشكل خطير على أمن مصر المائى.. مصدر الخطر أن الرى المصرى يعتمد بصورة أساسية على مياه النهر بنسبة تزيد عن 97%، بينما تتراجع هذه النسبة فى أثيوبيا لتصل إلى أقل من 3% وفى السودان إلى حوالى 5 %.
اللافت أن المعارضة الأثيوبية تشن هجوماً عنيفاً هذه الأيام على زيناوى بسبب توجهاته التى ترى أنها تسعى إلى معاداة مصر وربما تنتهى بنزاعات وحروب عسكرية ظلت أثيوبيا فى غنى عنها على مر العصور.. إذا كان النظام السابق أهمل هذا الملف الحيوى إلى الحد الذى أوصلنا إلى هذا الوضع المتردى الآن فقد اتفق المشاركون فى الحوار الوطنى على أهمية تكليف شخصية وطنية بحقيبة وزارية جديدة بحيث تكون مهمته ترميم علاقاتنا المتصدعة مع دول المنابع.. فى حال استجابة الحكومة لهذه الدعوة تكون بذلك وضعت أوله طوبة فى جدار الثقة مع الشعوب الأفريقية، وبذلك نعيد مجد الدكتور بطرس غالى فى أفريقيا باعتباره واحداً من أبرز من استوعبوا أهمية الدور المصرى فى أفريقيا بعد محمد فائق الذى مازالت بصماته قائمة فى بعض الدول الأفريقية منذ كلفه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بهذه المهمة الوطنية حتى الآن.
كلى أمل أنا والغيورون على أمن مصر المائى أن يكون قرار تعيين الوزير الجديد بمثابة الفرصة الأخيرة لإنقاذ مصر من خطر العطش المحدق بنا فى ظل التغلغل الصهيونى الخبيث الذى لا يتوقف فى دول حوض النيل؟!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة