اختلفت مع الكثيرين ممن أبدوا استياءهم من ردة فعل أهالى قنا تجاه تعيين المحافظ الجديد، اختلفت مع من قالوا إن هيبة الدولة سوف تتأثر بشدة إذا ما استجابت الجهات المعنية لرغبات أهالى قنا فى إقصاء المحافظ الجديد، أكثر من هذا دعوت جماهير كل محافظات مصر أن تحذو حذو أهالى قناـ ولكن دون قطع طرق أو تعطيل مرافق ـ للخروج وإعلان رفض المحافظين الجدد الذين شملهم التعديل الأخير، وأطالب الجهات المعنية، فى ذات الوقت، بالإسراع بإجراء حركة محافظين شاملة يتم إعدادها على أسس مختلفة تماما عما كان يجرى فى السابق.
يجب ألا ننسى أن ثورة 25 يناير، لم تقم لإقصاء النظام السابق ورموزه فقط، ولكنها قامت لهدم كل الأسس والسياسات التى لا تلبى مطالب الناس ولا تحقق التطور المنشود للمجتمع.
لابد أن نتخلص من أسس اختيار شاغلى المناصب العامة، وخصوصا المحافظين، بعدما فشلت أسس الاختيار السابقة ولم تثبت جدواها ولو مرة واحدة، لابد أن نعترف أن نظام "الكوتة" المتبع تعيين المحافظين لم يأت فى معظمه بقيادات محلية ناجحة، ولم يحقق النهضة المجتمعية التى تتوافق مع قدراتنا وإمكاناتنا البشرية والمادية، وأصبحنا الآن، بفضل هذه السياسات الفاشلة، أمام مجتمع مهلهل فاقد لفعالياته غير قادر على معرفة واكتشاف السمات والميزات النسبية التى يتسم بها كل تجمع جغرافى أو فئوى أو قبلى، ما جعل كل هذه التجمعات بمثابة أعباء ثقيلة على الحكومات المركزية المتعاقبة زادتها فشلا على فشل.
يجب أن نعترف أن تخصيص نسبة من المحافظين لقيادات الشرطة وأخرى لكبار قادة القوات المسلحة وثالثة لأساتذة الجامعات ورابعة لكبار رموز السلطة القضائية، كان يتم بهدف تكريم من يتم اختياره للمنصب رغم أنه يكون قاب قوسين أو أدنى من إنهاء حياته العملية، وهو ما كان يرسخ الشعور لدى السيد المحافظ، وبمجرد أن يتبوأ كرسى المسئولية بضرورة رد الجميل.. ورد الجميل يكون بالطبع لصاحب الفضل فى اختياره، وليس للشعب المعنى بالخدمة، وكان كل محافظ ينضم دون أن يدرى إلى قبيلة كبيرة تضم كل أهل الثقة والولاء ولا مكان فيها لأهل الخبرة والاختصاص فحدث ما حدث!
ومع هذا فإنى أؤكد أنا لست ضد تكريم كل من قدم خدمات جليلة للوطن من أى فئة من فئات المجتمع، وبالأخص من الفئات المخصص لها "كوتة" فى مقاعد المحافظين، ولكن التكريم له أشكال وطرق كثيرة بخلاف التعيين فى منصب المحافظ، إن البحث عن مئات الأسماء من الفئات القادرة على الأداء المتميز والمفاضلة بينهم لمن يصلح محافظا مهمة ليست بالصعبة أو المستحيلة.
إننى أرفض أن تواصل الحكومة الحالية، أو أى حكومة قادمة، الانزلاق إلى مستنقع الأداء السياسى والتنفيذى الذى كان يمارسه النظام السابق والأنظمة السابقة له على مدى الستين عاما الماضية، وأرجو من الدكتور عصام شرف ألا ينسى أن ثورة 25 يناير أتت به إلى مقعد رئيس السلطة التنفيذية بشكل مختلف عما كان متبعا لتكليف من سبقوه، أذكره بأنه توجه إلى ميدان التحرير قبل أن يتوجه إلى المجلس العسكرى للتداول حول تكليفه بمهمة تشكيل الحكومة، وأطالبه بأن تكون حكومته حكومة ابتكار وإبداع وإطلاق طاقات وليست حكومة تكرار أعمال، رغم أنها حكومة تسيير أعمال.
رد فعل أهالى قنا ـ رغم قسوته وخروجه عن المألوف ـ كان جرس إنذار شديد التأثير، ولكنه جاء فى وقته تماما، جاء فى وقت نترسم فيه جميعا خطى جديدة لمرحلة ما بعد ثورة 25 يناير، ويجب ألا نخطئ الطريق.