عادة ما تتصدر أخبار الشيوخ صفحات الرأى أو الثقافة أو الدين أو التحقيقات، وحده الشيخ يوسف البدرى يتصدر صفحات الحوادث، والمناسبة كما نعرفها جميعا هى أنه رفع قضية أو حرر دعوى أو نال حكماً قضائياً، يمضى الشيخ يوسف البدرى عمره فى مذكرات الدفاع، وعرائض الشكاوى، يقف أمام القضاة ومنصات إصدار الأحكام أكثر مما يقف أمام المرآة، لا أعرف على وجه التحديد كيف يفرق الشيخ بين القضايا التى يرفعها؟ وكم محامٍ يتولى الدفاع عنه؟ وكيف أنتج آلية دفاعية يمشى من خلالها فى عدة قضايا فى وقت واحد؟ ولا أحد أيضا يعرف كيف يصرف الشيخ الأموال التى يتحصل عليها كتعويض من قضايا الرأى التى يحررها ضد الصحفيين والكتاب؟ ليس لأحد حجة بعد الآن فى الشكوى من بطء إجراءات التقاضى، فها هو الشيخ يثبت أنه لا يضيع تعويض أمام مطالب.
ها هو الشيخ البدرى عاد إليكم من جديد، حرر دعوى، بدأ الغزوة، ضاعف جهده فى التسديد، كى يحرز أحكاما حلوة بادر بالتهديد، طالب الشيخ فى دعواه القضائية الجديدة بمنع التظاهر فى ميدان التحرير، ولوهلة قد يتخيل أصحاب الأمراض النفسية أن الشيخ ينتقم لرئيسه الغابر حسنى مبارك، لكن كلا وكلا ثم كلا، إن الشيخ يغضب على حال البلاد والعباد، ويثأر للمجلس الأعلى للقوات المسلحة من "شوية العيال" الذين أفسدوا الحياة بمظاهراتهم، وهذا ليس بجديد على الشيخ الذى كان يحمل الناس مسئولية فساد الأحوال ولهم فى الشيخ أسوة حسنة فلو اجتهد كل واحد بعض الشىء وقرأ الصحف كلها ورفع قضية على كل صحفى مارق أو كل كاتب تحرر والعياذ بالله فسيكسب قوت يومه وعليه أسبوع هدية، ومرة تسفر القضية عن تعويض مائة ألف ومرة أخرى بعشرين، وأهو كله من فضل الله، وعين العبد قراره وعين الرب ستارة، ما أجمل أن تكسب حبة , من بعيد لبعيد.
ليس من حق شباب الثورة أن يغضبوا من الشيخ يوسف البدرى الذى يعتزم أن يقاضيهم واحداً واحداً بعون الله وتوفيقه، فالشيخ ليس من المتحولين الذين يهاجمهم الشباب، فمواقفه واضحة وضوح الشمس فى المغربية، فالرجل كان يرى أن الشعب هو الأزمة ومبارك هو الحل، ولما لا وهو القائل إن ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة سببه عزوف المسلمين عن إطلاق لحاهم وعدم التزام النساء بارتداء النقاب، كما أفتى بأن عمل المرأة كاشيرة حرام شرعاً، لأن الإسلام لا يعرف الكاشيرية، كما أفتى بأن تسعير السلع حرام، وطبعاً لم يفت حتى بأن الاحتكار مكروه، كما أن موقف الشيخ من المظاهرات حتى المناصرة للفلسطينيين واضح وصريح وهو الذى قال: لو كان فى المظاهرات خيراً لقام بها الرسول وهتف هو والصحابة ضد اليهود مثلاً قائلين: يسقط بنو قينقاع أو يسقط بنو قريظة وعليه ننصح الناس بعدم التظاهر ضد الصهيونية وإسرائيل، فما بالكم إذا كان الرئيس اسمه محمد وحسنى ومبارك كمان.
سكت الشيخ يوسف البدرى عن الكلام حتى حسبناه معتكفاً فى محرابه يداوى الآلام ويفك عقد المقعدين، آخر خبر تداولته الصحف عن الشيخ كان بتاريخ الثالث من يناير وكان مضمونه هو إحالة طعنه على وقف بعض القنوات الدينية إلى مفوضى الدولة، وقبل الثورة وأثنائها وبعدها اختفى الشيخ اختفاء تاما، بعض المتفائلين تخيلوا أنه رحل بالتزامن مع رحيل مبارك، إذ أن المغرضين كانوا يحسبون أن هذا الشيخ أحد إنجازات العصر المباركى الرشيد، فبفضله علا صوت المحامى فى المحاكم، وانخفض صوت الحوار فى المجلات الأدبية بعد أن أنفق عمره يجاهد فى إغلاقها، إذ يؤمن الشيخ بفضيلة التخصص، فوحده تخصص فى مقاضاة المبدعين والشعراء والكتاب والصحفيين، وترك من أمور الدنيا كل شىء إلى رفع قضايا التعويضات، والمساجلات والمناظرات، كان الشيخ يعتبر هذا الأمر جهاداً فى سبيل الله، فأكثر الخطى إلى المحاكم، ومشى يحفه النور ويكتنفه البنور، وله فى كل قضية حسنة، ورفعت عنه فى كل مرافعة سيئة.
الشيخ الذى لم يضبط ولا مرة واحدة متلبسا بمقاضاة حاكم ظالم، أو بقولة حق عند سلطان جائر، ولم يعرف عنه يوماً أنه كان من المعترضين على أى من الجرائم السياسية والاجتماعية التى شابها ما شابها فى أيام مبارك الغابر، وأخشى أن يغضب الشيخ من ذكر كلمة الغابر كوصف لمبارك وهو الذى قال له ذات يوم "أما بعد فإننا أيها الرئيس قد رشحناك للإمامة العظمى، نعم فلا أحد بيننا أقدر على هذا المنصب، ولا على تحمل المسئولية منكم" وأنا أعذر الشيخ وأعتبر تأييده لحسنى مبارك وتأييد مبارك له من قبيل الاتساق مع المثل القائل إن لكل زمن رجاله، تماما كما غنى شعبان عبد الرحيم لعمرو موسى فلكل شخصية من يؤيدها و"كل هله يشبهله"
عن نفسى لا ألوم الشيخ فى شىء، فالرجل يتكلم ولو عجب السامع يسمع، معجبوش يخبط دماغه فى الحيط، كما لا ألوم الشيخ على أحاديثه التليفزيونية والفضائية والجرائدية والإذاعية، فمعدى البرامج الفضائية غالبا ما يحرصون على "تسخين" الحلقات بآراء حادة مثل آراء الشيخ، ومعروف عن الرجل غيرته الشديدة ، خاصة أن هذه الغيرة لا تبرد حتى يتم ترجمتها إلى حكم قضائى بتعويض مادى، ومع الرجل كامل الحق، فالرجل الذى جرجر أكبر كتاب مصر إلى المحاكم لم يستطع أحد أن يأخذ منه حق ولا باطل ولم يتجرأ كاتب ذات مرة وحرر دعوى سب وقذف ضده، حتى عندما نشرت جريدة الفجر تحقيقا مصورا عن الشيخ مدعية قيامه بأعمال السحر والشعوذة والدجل مقابل الحصول على مئات الجنيهات لم يسكت وحرر قضية ضد الجريدة متهماً إياها بالكذب والسب والقذف، مؤكدا أن الأيام ستثبت براءته وكذب الجريدة، وبرغم أن صور الشيخ كانت واضحة وهو يخرج العفاريت ويفك الرصد انتظرنا الحكم ببراءة الشيخ كما ادعى، لكن راحت أيام وجاءت أيام، ولا حس ولا خبر، وأنى أتخذ هذه الفرصة فرصة لأسأل شيخنا الفاضل، أخبار القضية إيه؟
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة