لا يختلف أحد على أن السياسية الإعلامية التى كان نظام مبارك يدير بها البلاد، هى من أول الأسباب التى عجّلت بسرعة انهياره، وأن هامش حرية تداول المعلومات التى كان مبارك وأتباعه يتحدثون عنها، لم تكن سوى «كلام فاضى»، ولا قيمة له، فلو كانت هناك شفافية وحرية فى تداول المعلومات، لما كانت صدمتنا الكبرى فى حجم الفساد الذى نسمع ونقرأ عنه يوميا.
لم يترك مبارك- خلال الثلاثين عاما من حكمه- للإعلام أى هامش للحرية، إلا للقضايا التى كان يريد استخدامها لتصفية حسابات مع جهات أو أشخاص، والدليل أنه استخدم قضية «لوسى آرتين» لتشويه اسم المرحوم المشير محمد عبدالحليم أبوغزالة، وزير الدفاع، وتكرر هذا مع شخصيات أخرى.
كل هذه الجرائم كان النظام السابق يرتكبها حتى سقط، وأعتقد أن من ضمن الأسباب الرئيسية فى سقوطه هو حجب المعلومات، وتجفيف منابعها، ولكن هل نجحت ثورة يناير العظيمة فى إسقاط كوارث نظام مبارك فى تحرير وسائل الإعلام وحرية تداول المعلومات؟.. الإجابة ربما تكون صادمة للجميع، لأننا ببساطة ما زلنا نتعامل بنفس نهج نظام مبارك، فاكتفينا بأن نكشف خطايا النظام السابق، وما زلنا عاجزين عن الحصول على معلومات عما يجرى الآن، وهو ما أدى إلى تخبط المعلومات فى كل شىء، فحتى الآن لا نعلم كيف تفكر حكومة الدكتور شرف فى مصير الأموال والأراضى التى يمكن مصادرتها، وكيف يعيش الرئيس المخلوع فى مستشفى شرم الشيخ الدولى، وكيف يقضى جمال وعلاء مبارك وزكريا عزمى وأحمد عز وبقية هذا النظام أيامهم فى السجن، وأنا أجزم أن كل ما ينشر فى الصحف ووسائل الإعلام الأخرى حول هذه القضايا مجرد تخمينات غير موثقة، بل متضاربة، وأصبحنا لا نصدق هل مبارك دخل فى غيبوبة أم أنه يمارس حياته بشكل عادى؟ وهل هو مصاب باكتئاب نفسى أم أنه خضع للتحقيق لمدة 3 ساعات؟ وهل قام سجناء العهد البائد بتركيب تكييفات فى زنزاناتهم كما قيل أم أن هذا لم يحدث؟.. الكل يجتهد والتقارير متضاربة، والجميع لا يعرف الحقيقة، كما أن الإعلام يبحث عن مسؤل ليحوله إلى فرعون أو نبى، فماذا يفيدنا أن ننشر خبرا عن الدكتور عصام شرف رئيس الوزراء وهو يأكل «فول» فى مطعم شهير؟ وهل هى بداية وصلة نفاق لصالح رئيس وزراء مصر؟ وهل يصح أن يقوم رئيس الوزراء بتخصيص مكتب لمجموعة اعتبرت نفسها فوق النقد وزعمت أنها تمثل الثوار؟ ومن أعطاهم الحق فى أن يكونوا هم ممثلى الثورة العظيمة التى شارك فيها كل الشعب المصرى وحماها الجيش.
بصريح العبارة، أرى أن إعلامنا ما زال يبحث عن فرعون جديد لكى يصنعه، سواء كان هذا الفرعون الدكتور شرف أو الجمل، أو شلة الشباب الذين أطلقوا على أنفسهم ممثلى الثورة، وأصبح حالنا أننا تخلصنا من ديكتاتور واحد هو مبارك، ونصنع بأيدينا وبإعلامنا آلاف الديكتاتوريين، مستخدمين نفس منهج إعلام الرئيس المخلوع.
إننى أطالب الدكتور شرف بالعمل لوقف حجب المعلومات، وأطالب إعلامنا الحر بأن ينتقد أى مسؤول، أو من يطلقون على أنفسهم الثوار إذا أخطأوا، لأننا لا نريد أن نخلق بأيدينا فرعونا جديدا. > >
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة